وَتَجُوزُ الشَّاةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَالشَّاةُ أَدْنَاهُ، وَتُجْزِيهِ الْبَقَرَةُ وَالْبَدَنَةُ أَوْ سُبْعُهُمَا كَمَا فِي الضَّحَايَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْثَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَعَذَّرُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِالْقِيمَةِ حَتَّى تُشْتَرَى الشَّاةُ هُنَالِكَ وَتُذْبَحَ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَحَلَّلَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ «؛ لِأَنَّهُ ﷺ حَلَقَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ مُحْصَرًا بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ ﵃ بِذَلِكَ». وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ إنَّمَا عُرِفَ قُرْبَةً مُرَتَّبًا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ نُسُكًا قَبْلَهَا وَفَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ لِيُعَرِّفَ اسْتِحْكَامَ عَزِيمَتِهِمْ عَلَى الِانْصِرَافِ.
نِهَايَتَهُ لَوْ كَانَتْ مُرَاعَاةً لَتَحَلَّلَ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ ﵀ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ.
وَقَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الشَّاةُ) ظَاهِرٌ، وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ قِيمَةَ شَاةٍ أَقَامَ حَرَامًا حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى كَمَا يَفْعَلُهُ فَائِتُ الْحَجِّ.
وَقَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ الْحَلْقُ (وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَلَقَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ مُحْصَرًا بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ» فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا أَنَّ مُجَرَّدَ فِعْلِ النَّبِيِّ ﵊ فِي الَّذِي لَا يُفْعَلُ قُرْبَةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَكَيْفَ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأَيْنَ دَلِيلُهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ، وَفِي أُخْرَى وَاجِبٌ. وَالْمُصَنِّفُ أَوْرَدَ دَلِيلَ رِوَايَةِ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُورِدْ دَلِيلَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ دَلِيلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَصْلُحُ دَلِيلًا لَهَا.
وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا أَنَّ الْحَلْقَ إنَّمَا عُرِفَ قُرْبَةً) يَعْنِي أَنَّ كَوْنَ الْحَلْقِ قُرْبَةً عُرِفَ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مِنْ الْأَوْصَافِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهُ (مُرَتَّبًا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ) فَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمُرَتَّبِ قُرْبَةٌ، وَأَمَّا حَلْقُ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ فَلِيَعْرِفَ الْمُشْرِكُونَ اسْتِحْكَامَ عَزِيمَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الِانْصِرَافِ فَيَأْمَنُوا جَانِبَهُمْ وَلَا يَشْتَغِلُوا بِمَكِيدَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الصُّلْحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute