أَوْ خَارِجَ الْمِصْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ نَحْوُ مِيلٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) قَوْله تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ وَقَوْلُهُ ﵊ «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِدُخُولِ الْمِصْرِ،
بِالِاتِّفَاقِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ) مَنْصُوبٌ لِكَوْنِهِ حَالًا مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُسَافِرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا﴾ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا فِيهِ، وَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ، وَمَعْنَاهُ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْنَ الْمَاءِ وَهُوَ أَوْلَى (نَحْوُ الْمِيلِ أَوْ أَكْثَرَ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي الْأَمْصَارِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ: لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْأَمْصَارِ جَازَ فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُهُ، فَأَيْنَمَا تَحَقَّقَ بَعْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي جَازَ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ اتِّفَاقِيًّا بِحَسَبِ الْعَادَةِ لِمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْأَمْصَارِ نَادِرٌ عَادَةً. قِيلَ قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّأْكِيدِ هُوَ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ الثَّانِي مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهَذَا كَذَلِكَ، وَرُدَّ بِأَنَّ تَخَلُّلَ الْعَاطِفِ يَأْبَاهُ.
وَقِيلَ ذَكَرَهُ نَفْيًا لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ قُدَّامَهُ فَالْمَسَافَةُ مِيلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِيلٌ، وَغَيْرُهَا مِنْ الرِّوَايَاتِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ وَهُوَ غَيْرُ حَسَنٍ. وَقِيلَ مِقْدَارُ الْبُعْدِ إنَّمَا يُعْلَمُ حَزْرًا وَظَنًّا، فَإِنْ كَانَ ظَنُّهُ أَنَّ الْمَاءَ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِيهِ مِيلٌ أَوْ أَكْثَرُ تَيَمَّمَ، وَإِنْ كَانَ ظَنُّهُ أَنَّهُ مِيلٌ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يَتَيَمَّمْ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِيلٌ جَازَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّهُ يُعْلَمُ حَزْرًا وَظَنًّا، فَمِنْ أَيْنَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْوِجْدَانِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ.
وَقَوْلُهُ: " إلَى عَشْرِ حِجَجٍ " لِلْكَثْرَةِ لَا لِلْغَايَةِ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ. وَقَوْلُهُ: (وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ) احْتِرَازٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ الْمَاءُ عَلَى قَدْرِ مِيلَيْنِ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إنْ كَانَ فِي مَرَضٍ يَسْمَعُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ، وَبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute