للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَفْعًا لِضَرَرِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّمُ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْآمِرَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ (فَإِنْ كَانَ يَحُجُّ عَنْ مَيِّتٍ فَأُحْصِرَ فَالدَّمُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ) عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ﵀، ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا. وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ دَيْنًا (وَدَمُ الْجِمَاعِ عَلَى الْحَاجِّ) لِأَنَّهُ دَمُ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ (وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ) مَعْنَاهُ: إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ حَتَّى فَسَدَ حَجُّهُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ مَا فَاتَهُ بِاخْتِيَارِهِ.

أَمَّا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الْأَمْرِ.

وَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى الْحَاجِّ لِمَا قُلْنَا

(وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَأَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا فَلَمَّا بَلَغَ الْكُوفَةَ مَاتَ

فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ الْآمِرِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ صِلَةٌ) الصِّلَةُ عِبَارَةٌ عَنْ أَدَاءِ مَا لَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَتِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ.

وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهَا) يَعْنِي النُّذُورَ وَالْكَفَّارَاتِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ) يَعْنِي بِإِدْخَالِهِ الْآمِرَ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالدَّيْنُ مَحَلُّهُ جَمِيعُ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ) أَيْ الْحَجُّ الصَّحِيحُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ دُونَ الْفَاسِدِ، فَإِذَا أَفْسَدَهُ لَمْ يَقَعْ مَأْمُورًا بِهِ فَكَانَ وَاقِعًا عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ عَلَى حَجِّهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إذَا قَضَى الْحَجَّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَجُّ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ بِالْإِفْسَادِ صَارَ الْإِحْرَامُ وَاقِعًا عَنْ الْمَأْمُورِ وَالْحَجُّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْحَجِّ فَكَانَ وَاقِعًا عَنْ الْمَأْمُورِ أَيْضًا.

وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ دَمُ جِنَايَةٍ وَهُوَ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ. وَمِمَّا ذَكَرْنَا عُلِمَ أَنَّ الدِّمَاءَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: دَمُ نُسُكٍ كَدَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَدَمُ جِنَايَةٍ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَدَمُ مَئُونَةٍ كَدَمِ الْإِحْصَارِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: كُلُّ دَمٍ يَلْزَمُ الْمُجَهِّزَ: يَعْنِي الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ فَهُوَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نُسُكًا فَإِقَامَةُ الْمَنَاسِكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَفَّارَةً فَالْجِنَايَةُ وُجِدَتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ دَمًا بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَهُوَ الَّذِي تَرَكَ مَا كَانَ وَاجِبًا فَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الدِّمَاءُ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَإِنَّهُ فِي مَالِ الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةً إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْجَانِي عَنْ اخْتِيَارٍ.

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ) صُورَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>