للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ قَدْ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، قَالَ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ وَطَنِهِ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَبْطُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ الْآيَةَ، وَقَالَ «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ سَفَرُهُ اُعْتُبِرَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي

بِمَا يُحَجُّ بِهِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ الْمَكَانِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَيْضًا وَاضِحٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرُهُ مَتْرُوكٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ مُنْقَطِعًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا يُثَابُ عَلَيْهَا. وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: أَعْمَالٌ عَمِلَهَا فَمَضَتْ، وَأَعْمَالٌ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا فَهِيَ بَعْدُ مَعْدُومَةٌ، وَأَعْمَالٌ شَرَعَ فِيهَا وَلَمْ يُتِمَّهَا. وَالطَّرَفَانِ لَا يُوصَفَانِ بِالِانْقِطَاعِ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ لَكِنْ يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ بِمَا يُحْبِطُ ثَوَابَهُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الثَّانِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ. وَهَذَا؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفَرُّقِ أَجْزَائِهِ. وَالْمَاضِي بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَتَعَيَّنَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ وَلَمْ يُتِمَّهُ.

وَأَمَّا جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ مُوجِبِ الْكِتَابِ وَمُوجِبِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مَسُوقٌ لِحُكْمِ الْآخِرَةِ وَالْخَبَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>