وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحَرِّمْ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَا يُحَرِّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِأَنَّهُ صَلُحَ مُقَلَّدًا فَيَصْلُحُ مُقَلِّدًا وَكَذَا شَاهِدًا. وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا
وَكُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ وِلَايَةٌ قَاصِرَةٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ إلَى غَيْرِهِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَهَذَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ: يَعْنِي (لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحْرَمْ الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ) كَمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلَهُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُخْرِجُ الْمَرْءَ مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَفِيهِ الْإِلْزَامُ، فَلَأَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهَا عَلَى الِانْعِقَادِ وَلَا إلْزَامَ فِيهِ أَوْلَى (وَلِأَنَّهُ صَلُحَ مُقَلِّدًا) كَالْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ قَلَّمَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ فِسْقٍ (فَيَصْلُحُ مُقَلِّدًا) أَيْ قَاضِيًا (فَكَذَا شَاهِدًا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَالْقَضَاءَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ. وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْقَضَاءِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ قَالَ بِالْوَاوِ كَانَ أَحْسَنَ.
لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَى مُقَلِّدًا بِكَسْرِ اللَّامِ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ السَّلْطَنَةِ لَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ عَكْسَهُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ إذَا كَانَ الْفِسْقُ لَا يَمْنَعُ عَنْ وِلَايَةٍ هِيَ أَعَمُّ ضَرَرًا فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ عَنْ وِلَايَةِ عَامِّ الضَّرَرِ أَوْ خَاصِّهِ أَوْلَى، وَالتَّرْتِيبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ خَافِي الصِّحَّةِ. وَلَوْ قَالَ الْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ الْقَاصِرَةِ بِلَا خِلَافٍ فَيَصْلُحُ شَاهِدًا عَلَى الِانْعِقَادِ لِأَنَّهُ لَا إلْزَامَ فِيهِ وَكَانَتْ الْوِلَايَةُ قَاصِرَةً لَكَانَ أَسْهَلَ تَأَتِّيًا، وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُ (مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ) عَلَى مَا مَرَّ (فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا) لَا أَدَاءً. فَإِنْ قُلْت: النُّكْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْفَاسِقِ أَوَّلًا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ شَهَادَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَلَمْ تَكُنْ فَكَانَتْ مَنْقُوضَةً. قُلْت: كَانَ كَذَلِكَ لَوْلَا النَّصُّ الْقَاطِعُ.
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute