للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ (وَإِنْ تَوَضَّأَ لَا يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ.

(فَإِنْ تَيَمَّمَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ) وَقَالَ زُفَرُ : بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيه فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ. وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا فَاعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِيه كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَى الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ

بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ) عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَا (وَلَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِي هَذَا اللَّفْظِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ نَوَى قُرْبَةَ التَّيَمُّمِ لَا تَصِحُّ تِلْكَ الْقُرْبَةُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ وَكَانَ مُتَيَمِّمًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ نَصَّ عَلَى هَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ، بَلْ الصَّوَابُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: الْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّيَمُّمُ وَعَنْ هَذَا فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ نِيَّتِهِ الْإِسْلَامَ وَنِيَّتِهِ الصَّلَاةَ فَقَالَ يَكُونُ مُتَيَمِّمًا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.

وَقَالَ:؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مِنْهُ فَتَصِحُّ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ مِنْهُ لِلْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قُرْبَةٌ لَا تَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الصَّلَاةِ فَيُجْعَلُ وُجُودُ هَذِهِ النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَبْقَى التَّيَمُّمُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ (وَإِنْ تَوَضَّأَ النَّصْرَانِيُّ لَا يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ) عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا، فَعَدَمُ أَهْلِيَّتِهِ لَا يَضُرُّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِمُتَوَضِّئٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ) دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَيُفْهَمُ مِنْهُ دَلِيلُنَا.

(فَإِنْ تَيَمَّمَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي التَّيَمُّمَ) ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ بِأَنْ كَانَا رَضِيعَيْنِ وَقَدْ زُوِّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ أَبَوَاهُمَا ثُمَّ أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي التَّيَمُّمَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ عِبَادَةً، وَكَوْنُهُ عِبَادَةً إنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَ زُفَرُ فَيَكُونُ اعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَى التَّيَمُّمِ كَاعْتِرَاضِهِ عَلَى الْوُضُوءِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رَوَى عَنْ زُفَرَ رِوَايَةً أُخْرَى اشْتَرَطَ فِيهَا النِّيَّةَ لِلتَّيَمُّمِ، وَقِيلَ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلصَّلَاةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا فَكَانَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْبَهِيمَةِ فَيَكُونُ تَيَمُّمُهُ بَاطِلًا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ لِمَا مَرَّ (وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا) وَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ عَدَمٌ كَمَا وُجِدَ لِكَوْنِهِ فِعْلًا فَعِنْدَ الْكُفْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>