للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّابِئَاتِ إنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينِ نَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ لَمْ تَجُزْ مُنَاكَحَتُهُمْ) لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَكُلٌّ أَجَابَ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا حِلُّ ذَبِيحَتِهِمْ.

قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ، وَتَزْوِيجُ الْوَلِيِّ الْمُحْرِمِ وَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.

وَسَرَى ذَلِكَ إلَى الْفِعْلَيْنِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُشَبَّهَ وَذَكَرَ الْمُشَبَّهَ بِهِ كَمَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ. فَإِنْ قِيلَ: اتِّخَاذُهُمْ ذَلِكَ أَرْبَابًا عَيْنُ الشِّرْكِ لَا مُشَبَّهَ بِهِ. قُلْت: فِيهِ الِاسْتِعَارَةُ التَّصْرِيحِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ أَرْبَابًا حَقِيقَةً وَإِنَّمَا كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الْأَرْبَابِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا تَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ بِالْآتِي أَسْلَمْنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ قُلْت: لَسْنَا نَأْخُذُ بِهِ لِعَرَائِهِ إذْ ذَاكَ عَنْ الْفَائِدَةِ، فَإِنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ أَيْضًا إذَا أَسْلَمْت حَلَّ نِكَاحُهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً، وَكَذَا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.

قَالَ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الصَّابِئَاتِ إنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينِ نَبِيٍّ) الصَّابِئَاتُ، مِنْ صَبَأَ: إذَا خَرَجَ مِنْ الدِّينِ، وَهُمْ قَوْمٌ عَدَلُوا عَنْ دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة وَعَبَدُوا الْكَوَاكِبَ. وَذُكِرَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُمْ جِنْسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي حُكْمِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ.

وَقَوْلُهُ وَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ فِيهِ) يَعْنِي بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ أَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِبَاهِ مَذْهَبِهِمْ، فَكُلٌّ أَجَابَ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ) وَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ وَلَا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ لَكِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِنَا الْقِبْلَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ إلَيْهَا. وَوَقَعَ عِنْدَهُمَا أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ فَصَارُوا كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَإِذًا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّهُمْ إنْ كَانُوا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ جَازَتْ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانُوا كَمَا قَالَا فَلَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَهُ أَيْضًا. وَحُكْمُ ذَبِيحَتِهِمْ عَلَى هَذَا.

قَالَ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ، وَتَزْوِيجُ الْوَلِيِّ الْمُحْرِمِ وَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>