(وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ الَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى) لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ شَرْطٌ فِيهِ، ثَمَّ جَمِيعُ الْمُسَمَّى لِلَّتِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا
فِيهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ فَاشْتِرَاطُهُ بَعْدَ شَهْرٍ لِيَنْقَطِعَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْعَقْدِ مُؤَبَّدًا، وَلِهَذَا لَوْ مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ فَكَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا. وَأَمَّا صُورَةُ النِّزَاعِ فَالشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ لَا فِي قَاطِعِهِ، وَلِهَذَا لَوْ صَحَّ التَّوْقِيتُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ عَقْدٌ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ.
قَالَ (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْأَصْلِ أَيْ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَصُورَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْعِ تَأْتِي فِي الْبُيُوعِ. وَقَوْلُهُ (وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَلْفًا مَثَلًا يُنْظَرُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا وَيُقْسَمُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا. فَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ، وَمَا أَصَابَ حِصَّةَ الْأُخْرَى يَثْبُتُ عَلَيْهِ. لَهُمَا أَنَّهُ قَابِلُ الْمُسَمَّى بِالْبُضْعَيْنِ وَكُلُّ مَا كَانَ مُقَابِلًا بِشَيْئَيْنِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ إذَا سُلِّمَا لِمَنْ قَابَلَ وَلَمْ يُسَلِّمْ هَاهُنَا إلَّا أَحَدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ كَمَا لَوْ خَاطَبَ امْرَأَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ضَمَّ مَا لَا يَحِلُّ إلَى مَا يَحِلُّ فِي النِّكَاحِ كَضَمِّ الْجِدَارِ إلَى الْمَرْأَةِ فِيهِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنِّكَاحِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَسَمَّى كَانَ الْمُسَمَّى كُلُّهُ لِلْمَرْأَةِ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لِمَنْ تَحِلُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَبَهُمَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الْإِيجَابِ، حَتَّى لَوْ أَجَابَتَا صَحَّ نِكَاحُهُمَا جَمِيعًا فَيَثْبُتُ انْقِسَامُ الْبَدَلِ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْإِيجَابِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ أَصْلًا وَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعَقْدِ وَجَبَ أَنْ يُحَدَّ إنْ دَخَلَ بِهَا وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْحَدِّ بِاعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute