للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ) خَصَّهُ بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ لَا مَسْح مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحَدَثٍ سَابِقٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا لَبِسَتْ عَلَى السَّيَلَانِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ

كَانَ مَأْجُورًا أَتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فَتَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ وَنِعْمَ الْمَتْبُوعُ. فَإِنْ قُلْت: ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيَّ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ وَيَنْزِعُ خُفَّيْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، إمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّوَافِضِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ قُرِئَ بِالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ حَالَ عَدَمِ اللُّبْسِ وَيُمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَالَ اللُّبْسِ لِيَصِيرَ عَامِلًا بِالْقِرَاءَتَيْنِ، فَمَنْ الْمُحِقُّ مِنْهُمَا؟ قُلْت: إنْ حَمَلْت قَوْلَ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنْ يَمْسَحَ أَحْيَانًا وَلَا يَتْرُكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ تَوَافُقًا. فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ لَا يَمْسَحَ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَنَفْيُ التُّهْمَةِ يَحْصُلُ بِالْمَسْحِ أَحْيَانًا فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلتَّدَافُعِ.

قَالَ: وَيَجُوزُ الْمَسْحُ (مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ) خَصَّ الْقُدُورِيُّ الْمَسْحَ بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ احْتِرَازًا عَنْ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ وَجَعَلَ الْحَدَثَ مُوجِبًا مَجَازًا فَإِنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لَكِنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ فَجَازَ أَنْ يُضَافَ الْإِيجَابُ إلَيْهِ كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. (قَوْلُهُ: وَبِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ) أَيْ وَخَصَّهُ بِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ لَا رَافِعًا لِلْحَدَثِ؛؛ لِأَنَّ الرَّافِعَ هُوَ الْمُطَهِّرُ وَالْخُفُّ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحَدَثٍ سَابِقٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا لَبِسَتْ وَالدَّمُ يَسِيلُ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ) وَتَوَضَّأَتْ فَإِنَّهَا لَا تَمْسَحُ؛ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ظَهَرَ الْحَدَثُ السَّابِقُ، وَكَذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ وَتَوَضَّأَ لَا يَمْسَحُ؛ لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ ظَهَرَ حُكْمُ الْحَدَثِ السَّابِقِ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مُنْحَصِرًا فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ اللُّبْسُ عَلَى السَّيَلَانِ، بَلْ لَوْ كَانَ الدَّمُ سَائِلًا عِنْدَ الْوُضُوءِ دُونَ اللُّبْسِ أَوْ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ جَمِيعًا فَإِنَّهَا وَالصَّحِيحَةَ سَوَاءٌ. وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ: إذَا لَبِسَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>