عَنْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْآمِرِ فَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي بَيْن الْمِلْكَيْنِ.
(وَلَوْ قَالَتْ أَعْتِقْهُ عَنِّي وَلَمْ تُسَمِّ مَالًا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبْضُ بِالنَّصِّ فَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ اقْتِضَاءً لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ
يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْأَمْرِ فَسَدَ النِّكَاحُ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَلَا الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا. فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ لَا يَبْطُلَ النِّكَاحُ هَاهُنَا وَإِنْ ثَبَتَ مِلْكُ الْيَمِينِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَالثَّابِتُ بِهِ ضَرُورِيٌّ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى فَسَادِ النِّكَاحِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْمِلْكَ هَاهُنَا كَمَا ثَبَتَ يَزُولُ حُكْمًا لِلْإِعْتَاقِ. وَمِثْلُهُ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ لِمُوَكِّلِهِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَمَا ثَبَتَ زَالَ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ وَفَسَادُ النِّكَاحِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ اللَّازِمِ لِلْعِتْقِ، وَلَازِمُ اللَّازِمِ لَازِمٌ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَأَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ. سَلَّمْنَا أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ، لَكِنْ إنَّمَا لَا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ عِنْدَ الثُّبُوتِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ (يُقَدِّمُ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ) أَيْ لِتَصَرُّفِ الْآمِرِ لِمَا أَنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا بِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِإِسْقَاطِ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ فَلَأَنْ يُمْكِنَ بِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ أَوْلَى، فَصَارَ (كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ) فَفَعَلَ سَقَطَ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا إذْ كَانَ الطَّلَبُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبْضُ بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً»، " (فَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ اقْتِضَاءً)، وَقَوْلُهُ: إسْقَاطُهُ وَلَا إثْبَاتُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ يَسْقُطَ الْقَبْضُ كَمَا يَسْقُطُ الْقَبُولُ. وَالثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ الْقَبْضُ مَوْجُودًا تَقْدِيرًا. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ) يَعْنِي أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute