هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا فَيُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَاعْتِبَارُ الْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِدُخُولِ الْأَنَامِلِ إذَا كَانَ لَا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْمَعُ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلَا يُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ لِأَنَّ الْخَرْقَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخِرِ، بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلْكُلِّ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرُ النَّجَاسَةِ.
(وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ)
فَإِنَّ الْخُفَّ وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا فَآثَارُ الدُّرُوزِ وَالْأَشَافِي خَرْقٌ فِيهِ وَلِهَذَا يَدْخُلُهُ التُّرَابُ فَيَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ فَجُعِلَ عَفْوًا وَتَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ فَلَا حَرَجَ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ اعْتِبَارِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ هُوَ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَرْقَ إذَا كَانَ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مَنَعَ قَطْعَ السَّفَرِ، وَقَطْعُ السَّفَرِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالرِّجْلِ فَيُعْتَبَرُ أَصَابِعُهَا.
وَقَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ شَيْئَيْنِ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْمَسْحِ، وَعَمَّا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْخَرْقِ أَكْبَرُ الْأَصَابِعِ إنْ كَانَ الْخَرْقُ عِنْدَ أَكْبَرِهَا، وَأَصْغَرُهَا إنْ كَانَ عِنْدَ أَصْغَرِهَا. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ) دَلِيلٌ عَلَى الْمِقْدَارِ وَالصِّغَرِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا مُعْتَبَرَ بِدُخُولِ الْأَنَامِلِ) ظَاهِرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ إذَا كَانَ يَبْدُو قَدْرُ ثَلَاثِ أَنَامِلَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْنَعُ الْمَسْحُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُمْنَعُ. وَالشَّرْطُ أَنْ يَبْدُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بِكَمَالِهَا، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْمَعُ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ)؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِهِ (وَلَا يُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْخَرْقَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخَرِ) وَاضِحٌ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ فِي الْخُفَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ صَارَتَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا صَارَتَا كَعُضْوِ وَاحِدٍ فِي حَقِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَالْخَرْقُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ فَلَا يَكُونَانِ فِيهِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ، وَلِهَذَا لَوْ مَدَّ الْمَاءَ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْعَقِبِ جَازَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ مَدَّ الْمَاءَ مِنْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلرِّجْلَيْنِ شَبَهًا بِعُضْوٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ دُخُولُهُمَا تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ، وَبِعُضْوَيْنِ مِنْ حَيْثُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ، وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْجَمْعِ نَظَرًا إلَى الشَّبَهِ الثَّانِي، وَبِعَدَمِ غَسْلِ مَا فِيهِ الْخَرْقُ دُونَ الْآخَرِ نَظَرًا إلَى الشَّبَهِ الْأَوَّلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِيمَا هُوَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْخُفَّيْنِ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ وَفِي الْآخَرِ كَذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرُ النَّجَاسَةِ فِي أَنَّ الْمَانِعَ انْكِشَافُ عَيْنِ الْعَوْرَةِ وَقَدْ وُجِدَ كَمَا أَنَّ الْمَانِعَ حَمْلُ النَّجَاسَةِ وَقَدْ وُجِدَ، وَوَجْهُ الرَّابِعِ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ) قِيلَ صُورَتُهُ رَجُلٌ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَجْنَبَ ثُمَّ وَجَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute