للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ «مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا فَصَارَا كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ الْجُرْمُوقَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ بِالْخُفِّ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ إلَّا أَنْ تَنْفُذَ الْبَلَّةُ إلَى الْخُفِّ.

(وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ،

الْجُرْمُوقِ إقَامَةُ بَدَلٍ عَنْهُ بِالرَّأْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ.

وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ «عُمَرَ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا، أَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَإِنَّهُ يَدُورُ مَعَ الْخُفِّ مَشْيًا وَقِيَامًا وَقُعُودًا وَارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا، وَأَمَّا الْغَرَضُ فَإِنَّهُ وِقَايَةٌ لِلْخُفِّ كَمَا أَنَّ الْخُفَّ وِقَايَةٌ لِلرِّجْلِ فَصَارَ كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ. قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَّا وَجَبَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عِنْدَ نَزْعِ الْجُرْمُوقَيْنِ كَمَا لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ ثُمَّ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ أَوْ كَانَ الْخُفُّ مُشْعِرًا فَمَسَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَلَقَ الشَّعْرَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ لَيْسَ بِتَبَعٍ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُ مُنْفَرِدًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَتَبِعَ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ وَالْغَرَضُ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِذَا لَبِسَهُ عَلَى الْخُفِّ صَارَ تَابِعًا وَكَانَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، وَإِذَا زَالَ بِالنَّزْعِ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ وَحَلَّ الْحَدَثُ مَا تَحْتَهُ فَيَجِبُ إعَادَةُ الْمَسْحِ. وَأَمَّا طَاقَاتُ الْخُفِّ فَلِشِدَّةِ اتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَانَا كَالشَّعْرِ مَعَ الْبَشَرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ عَلَى الرَّأْسِ ثُمَّ حَلَقَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.

وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ الْبَدَلُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بَدَلُ الْخُفِّ وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ كَالْخُفِّ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ لَمْ يَنْعَقِدْ فِيهِ حُكْمُ الْمَسْحِ بَعْدُ، قِيلَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ نَزْعِهِمَا كَمَا فِي نَزْعِ الْخُفَّيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ بَدَلَ الْخُفِّ وَلَزِمَ بَدَلُ الْبَدَلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بَدَلُ الرِّجْلِ مَا لَمْ يَحِلَّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ، فَإِذَا نُزِعَ زَالَتْ الْبَدَلِيَّةُ مِنْهُ وَحَلَّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَكَانَ الْخُفُّ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ إذْ ذَاكَ وَلَزِمَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسَ) ظَاهِرٌ.

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ مُنَعَّلَيْنِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَلَّا يَكُونَا ثَخِينَيْنِ وَلَا مُنَعَّلَيْنِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَا ثَخِينَيْنِ غَيْرَ مُنَعَّلَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>