أُخْرَى، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى)؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ إلَى أَنْ قَالَ ﴿وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً حَتَّى يُقَدَّرَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّهَا بِالشَّهْرِ
فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ يَعْنِي إنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ اعْتِدَادِ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ فَحُكْمُهُنَّ هَذَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقَوْلُهُ: (وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً) قِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ خَاصَّةً دُونَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ جَمِيعًا كَمَا اخْتَارَهُ آخَرُونَ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّ الَّتِي لَا تَحِيضُ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فِي حَقِّ الَّتِي تَحِيضُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الشَّهْرُ فِي حَقِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الَّتِي تَحِيضُ حَتَّى يَتَقَدَّرَ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَيُفْصَلَ بِهِ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ الْحَيْضُ، وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ تَجَدُّدُ الْحَيْضِ إلَّا بِتَخَلُّلِ الطُّهْرِ، وَفِي الشُّهُورِ يَنْعَدِمُ هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ الشَّهْرُ قَائِمًا مَقَامَ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّهْرَ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضِ، فَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ كَانَ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ فَكَانَ حَرَامًا كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ الشَّهْرَ لَوْ قَامَ مَقَامَ الْحَيْضِ خَاصَّةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ بَلْ يُكْتَفَى بِإِقَامَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةُ ثَلَاثِ حِيَضٍ تَحْصُلُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ لَكِنَّ اللَّازِمَ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ طُهْرٌ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْحِيَضِ، وَمَا قَامَ مَقَامَ الشَّيْءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِلَّا كَانَ عَيْنَهُ لَا قَائِمًا مَقَامَهُ، فَكَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ خَاصَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْجِمَاعِ فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ حَرَامٌ وَفِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ؟ وَلَوْ كَانَ الْأَشْهُرُ بَدَلًا عَنْ الْأَقْرَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَكَانَ مُحَرَّمًا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الْأَشْهُرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute