للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ.

وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ. وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ لِلتَّخْلِيصِ.

الْعِدَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ وَالْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الرَّجْعَةُ، وَالتَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ هُوَ تَرْكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا وَالْإِمْسَاكُ إبْقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ، فَمَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً كَانَتْ وِلَايَةُ الرَّجْعَةِ بَاقِيَةً، وَإِذَا انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ رَجْعَةٍ بَانَتْ فَصَارَتْ الْبَيْنُونَةُ مُعَلَّقَةً بِالِانْقِضَاءِ كَذَا قَالُوا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُ عَلَى تَعْلِيقِ الْبَيْنُونَةِ بِالِانْقِضَاءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَنْوِ الْبَيْنُونَةَ فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةٌ فِيمَا نُوِيَتْ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضِي ضَرُورِيٌّ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالرَّجْعِيِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَائِنِ كَانَ أَسْلَمَ، وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ.

وَقَوْلُهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ) يَعْنِي قَصْدُهُ وَتَقْرِيرُ الْحُجَّةِ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَقْدِيمَ مَا أَخَّرَ الشَّرْعُ إلَى وَقْتٍ وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُورَثِ وَأَصْلُهُ بَقَرَةُ بَنِي إسْرَائِيلَ (وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْقَيْدُ وَالْكَسْرُ فِيهِ لُغَةٌ (لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ) أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ، وَحَقِيقَتُهُ دَيَّنْت الرَّجُلَ تَدْيِينًا وَكَلْتُهُ إلَى دِينِهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي التَّصْدِيقِ مَجَازًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ صَرْفُ الْكَلَامِ عَمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ إلَى مَا لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ فِيمَا عَلَيْهِ تَخْفِيفٌ. وَكَذَلِكَ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُصَدِّقَهُ فِي ذَلِكَ (وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ) إذْ الطَّلَاقُ مِنْ الْإِطْلَاقِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِبِلِ أَوْ الْوَثَاقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ عِبَارَةً عَنْهُ مَجَازًا.

(وَلَوْ نَوَى بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ (الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهُوَ) قِيلَ أَيْ الْمَرْأَةُ بِتَأْوِيلِ الشَّخْصِ أَوْ الذَّاتِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ يَعُودُ إلَى الْقَيْدِ الَّذِي يَرْفَعُهُ الطَّلَاقُ وَهُوَ النِّكَاحُ.

وَتَقْرِيرُهُ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ النِّكَاحِيِّ، وَالْقَيْدُ النِّكَاحِيُّ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْعَمَلِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِرَفْعِ الْقَيْدِ بِالْعَمَلِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّخْلِيصِ) فَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>