وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَيَخْرُجُ الْكَدْرُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ تَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ تُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَلَا تَكُونُ حَيْضًا
(وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّوْمَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ)
بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ. وَقَوْلُهُ: (وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِتَأَخُّرِ خُرُوجِ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي وَكَأَنَّهُ قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ: أَيْ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَخْرَجُ مِنْ أَسْفَلَ. أَمَّا إذَا كَانَ كَالْجَرَّةِ ثُقِبَ أَسْفَلُهَا فَإِنَّ الْكُدْرَةَ تَخْرُجُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وُجُودَهَا. وَقَالَ مُسْتَبْعِدًا كَأَنَّهَا أَكَلَتْ فَصِيلًا. وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَنَّ الْخُضْرَةَ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ (إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ كَانَتْ حَيْضًا، وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ كَأَنَّهَا أَكَلَتْ غِذَاءً فَاسِدًا) أَفْسَدَ صُورَةَ دَمِهَا (وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً) أَيْ آيِسَةً وَهِيَ أَنْ تَكُونَ فِي خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ فِي خَمْسِينَ، وَقِيلَ فِي سَبْعِينَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَإِنَّ الدَّمَ فِي الْأَصْلِ لَا يَكُونُ أَخْضَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التُّرْبِيَّةَ وَهِيَ مَا يَكُونُ لَوْنُهُ كَلَوْنِ التُّرَابِ وَهِيَ نِسْبَةٌ إلَى التُّرَابِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ فَهِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ.
وَرُوِيَ التَّبْرِئَةُ بِوَزْنِ التَّرْبِعَةِ وَالتُّرْبِيَّةُ بِوَزْنِ التَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ لَوْنٌ خَفِيٌّ يَسِيرٌ أَقَلُّ مِنْ صُفْرَةٍ وَكُدْرَةٍ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ التُّرْبَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى لَوْنِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَانَ الْحَيْضِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِيهَا. قَالَ أَبُو نَصْرٍ بْنُ سَلَّامٍ: بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَتَمَادَى بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَبْعِ سِنِينَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَدَّرَهُ بِتِسْعِ سِنِينَ، وَأَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ قَدَّرَهُ بِثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ.
قَالَ (وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ) هَذَا بَيَانُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا: إنَّهَا اثْنَا عَشَرَ: ثَمَانِيَةٌ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَأَرْبَعَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ، فَأَمَّا الثَّمَانِيَةُ: فَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَا إلَى قَضَاءٍ، وَتَرْكُ الصَّوْمِ إلَى قَضَاءٍ، وَحُرْمَةُ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ، وَحُرْمَةُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَحُرْمَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ بِدُونِ الْغِلَافِ، وَحُرْمَةُ جِمَاعِهَا، وَالثَّامِنُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ: الْمَخْصُوصَةُ بِالْحَيْضِ، فَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ، وَالْحُكْمُ بِبُلُوغِهَا، وَالْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. فَالسَّبْعَةُ الْأُولَى تَتَعَلَّقُ بِبُرُوزِ الدَّمِ عِنْدَهُمَا بِمُجَاوَزَتِهِ مَوْضِعَ الْبَكَارَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْإِحْسَاسِ بِالْبُرُوزِ، فَلَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ إلَى الْكُرْسُفِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ رَفَعَتْ الْكُرْسُفَ بَعْدَ غُرُوبِهَا فَالصَّوْمُ تَامٌّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا تَقْضِيهِ.
وَالثَّامِنُ يَتَعَلَّقُ بِنِصَابِ الْحَيْضِ وَيَسْتَنِدُ إلَى ابْتِدَائِهِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِانْقِضَائِهِ. قَوْلُهُ: (يَسْقُطُ) عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute