وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا، وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ اُعْتُبِرَتْ سَاعَةً
فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقْتَصِرَ الْجَوَابُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ مِنْ الزَّوْجِ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّأْبِيدَ يَتَأَبَّدُ، لَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ بِآثَارِ الصَّحَابَةِ، وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُ كَالْبَيْعِ فِي كَوْنِهِ تَمْلِيكًا، ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِمَّا يَتَأَبَّدُ، وَمِمَّا لَا يَتَأَبَّدُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْقِيَاسُ: أَعْنِي قِيَاسَ الْمُصَنِّفِ التَّخْيِيرَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ الِاخْتِيَارُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ بِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُمَلَّكُ لَهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَالتَّوْكِيلَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ عَامِلًا لِغَيْرِهِ، وَالْمَرْأَةُ بَعْدَ التَّخْيِيرِ إنَّمَا تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا فَكَانَ التَّخْيِيرُ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا.
وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ شُبَهًا: أَحَدُهَا أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونَ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ فَهُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَيَمْلِكُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الرُّجُوعَ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا تَوَارَدَ مِلْكُهُ وَمِلْكُهَا عَلَى الطَّلَاقِ دَفْعَةً وَهُوَ لَا يَصِحُّ. وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ وَطَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا حَنِثَ الزَّوْجُ فِي يَمِينِهِ، وَلَوْ مَلَكَتْ طَلَاقَهَا لَمَا حَنِثَ.
وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَدْيُونِ لِنَفْسِهِ وَقَعَ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ وَكَالَتِهِ وَالضِّمْنِيُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَهُوَ لَيْسَ بِدَافِعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute