وَمَرَّةً بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْخِيَارِ، وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ الْإِعْرَاضِ، إذْ الْقِيَامُ يُفَرِّقُ الرَّأْيَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَتْ يَوْمًا لَمْ تَقُمْ وَلَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَقْطَعُهُ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ. وَقَوْلُهُ مَكَثَتْ يَوْمًا لَيْسَ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ.
وَقَوْلُهُ مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ يُرَادُ بِهِ عَمَلٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَ فِيهِ لَا مُطْلَقَ الْعَمَلِ (وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَجَلَسَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِقْبَالِ فَإِنَّ الْقُعُودَ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ (وَكَذَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ) لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ جِلْسَةٍ إلَى جِلْسَةٍ فَلَا يَكُونُ إعْرَاضًا، كَمَا إذَا كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ.
قَالَ ﵁: هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي غَيْرِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الِاتِّكَاءَ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِالْأَمْرِ فَكَانَ إعْرَاضًا،
مُطْلَقًا عَنْ التَّوْقِيتِ اعْتَبَرْنَا جَانِبَ التَّمْلِيكِ، فَقُلْنَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَجْلِسِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَاعْتَبَرْنَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَقُلْنَا بِبَقَاءِ الْإِيجَابِ إلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهُ، حَتَّى لَوْ قَامَ وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَالْخِيَارُ بَاقٍ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ حِينَئِذٍ لَازِمٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الرُّجُوعِ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفَ يَمِينٍ مِنْ جَانِبِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَتَّى يُعْتَبَرَ مَجْلِسُهُمَا جَمِيعًا، فَإِنْ أَيُّهُمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ التَّعْلِيقُ، وَلِهَذَا لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَلَامِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ جَازَ إذَا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا، فَالْمَجْلِسُ تَارَةً يَتَبَدَّلُ بِالتَّحَوُّلِ: يَعْنِي إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ، وَمَرَّةً بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْخِيَارِ، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ إذْ مَجْلِسُ الْأَكْلِ غَيْرُ مَجْلِسِ الْمُنَاظَرَةِ إلَى آخِرِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ) أَيْ بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَهُوَ بَاقٍ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَجَلَسَتْ) ظَاهِرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute