للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ كَانَ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ) وَأَصْلُهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ امْرَأَة الْفَارِّ تَرِثُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ بِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا كَمَا إذَا كَانَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ، وَقَدْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ فِي تَوَجُّهِ الْهَلَاكِ الْغَالِبِ، وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ، فَالْمَحْصُورُ وَاَلَّذِي فِي صَفِّ الْقِتَالِ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ لِأَنَّ الْحِصْنَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَكَذَا الْمَنَعَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ، وَاَلَّذِي بَارَزَ أَوْ قُدِّمَ لَيُقْتَلَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَيَتَحَقَّقُ بِهِ الْفِرَارُ وَلِهَذَا أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ، وَقَوْلُهُ إذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ

وَاضِحٌ.

وَقَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ) هَذَا لِبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمَرَضِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا فَهُوَ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا فَكَانَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءً، وَفَسَّرَ الْمَرَضَ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَفَسَّرَهُ بِمِنْ يَكُونُ بِحَالٍ لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ كَالْأَصِحَّاءِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا) مِنْهَا رَاكِبُ السَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ، فَإِنْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ وَخِيفَ الْغَرَقُ صَارَ كَالْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَمِنْهَا الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ فَإِنَّهَا كَالصَّحِيحَةِ فَإِذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَهِيَ كَالْمَرِيضَةِ. وَمِنْهَا الْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، فَإِنْ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ يَزْدَادُ فِي عِلَّتِهِ فَالْغَالِبُ أَنَّ آخِرَهُ الْمَوْتُ، وَإِذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يَزْدَادُ فَلَا يَخَافُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ وَقَوْلُهُ إذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ) بَيَانُهُ: إذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَرَى أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهَا لِأَنَّ مَرَضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>