وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ فَارًّا لِوُجُودِ قَصْدِ الْإِبْطَالِ، إمَّا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ فِعْلِ الشَّرْطِ بُدٌّ فَلَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَكَلَامِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ لَمْ تَرِثْ لِأَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ تَرِثُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِمَا لَهَا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ خَوْفِ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا
إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِالشَّرْطِ ثُمَّ وُجِدَ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَ أَنَّ طَلَاقَ الْمَجْنُونِ غَيْرُ وَاقِعٍ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَطْلِيقٍ قَصْدًا. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِشَرْطٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ، فَلَوْ كَانَ تَطْلِيقًا قَصَدَ الْحِنْثَ.
وَقَوْلُهُ وَالْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ فَارًّا) قِيلَ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَارًّا فِي التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ مُضْطَرًّا فِي مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِيرُ الْفِعْلُ ظُلْمًا فَلَا تَرِثُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاضْطِرَارَ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ لَا يَرِدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ إلَى قَتْلِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ فِعْلُهُ بِالظُّلْمِ لِمَا أَنَّ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِذَلِكَ) يَعْنِي صَارَ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا لِمَا أَنَّ الرِّضَا بِالشَّرْطِ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعَبْدِ إذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ عَتَقَ، وَلِلضَّارِبِ وِلَايَةُ تَضْمِينِ الْحَالِفِ مَعَ أَنَّ الضَّارِبَ ضَرَبَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ يَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اسْتِحْسَانًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute