(وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ) لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ الرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ لَهُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مَشْرُوعًا (وَيُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا أَوْ يُسْمِعَهَا خَفْقَ نَعْلَيْهِ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُرَاجَعَةُ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَكُونُ مُتَجَرِّدَةً فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا) وَقَالَ زُفَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: لَهُ ذَلِكَ لِقِيَامِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يَغْشَاهَا عِنْدَنَا. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ الْآيَةَ، وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمَلَ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ فَلَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ الْإِخْرَاجَ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا فَتَبْطُلُ الْعِدَّةُ وَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الزَّوْجِ. وَقَوْلُهُ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا
وَقَوْلُهُ (وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ) التَّشَوُّفُ خَاصٌّ فِي الْوَجْهِ وَالتَّزَيُّنُ عَامٌّ تَفَعُّلٌ مِنْ شُفْت الشَّيْءَ جَلَوْته وَدِينَارٌ مَشُوفٌ: أَيْ مَجْلُوٌّ وَهُوَ أَنْ تَجْلُوَ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا وَتَصْقُلَ خَدَّيْهَا.
وَقَوْلُهُ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا) يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّوَارُثَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ قَائِمٌ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ تَدْخُلُ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فِيهِ وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا بَيْنَهُمَا لَجَازَ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا كَالَّتِي فِي نِكَاحِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ امْتَنَعَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ فَإِنَّهُ نَزَلَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ أَيْ لَعَلَّهُ يَبْدُو لَهُ فَيُرَاجِعَهَا وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا إخْرَاجٌ مِنْ الْبَيْتِ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَا لَا يَكُونُ نَفْسُ الْمُسَافَرَةِ دَلِيلًا عَلَى الرَّجْعَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالرَّجْعَةَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُسَافَرَةِ بِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ، وَتَقْرِيرُهُ تَرَاخِي عَمَلِ الْمُبْطِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِحَاجَةِ الزَّوْجِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا فَلَا تَرَاخِيَ. أَمَّا أَنَّ التَّرَاخِيَ كَذَلِكَ فَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا عَدَمُ حَاجَتِهِ إلَيْهَا فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسَافَرَةَ لَا تَجُوزُ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا، وَأَمَّا إذَا سَافَرَ بِهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ وَالْكَلَامِ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute