وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا (وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ) وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا تَلَوْنَا شَيْئَانِ الْجَوَازُ حُكْمًا وَالْإِبَاحَةُ، وَقَدْ تُرِكَ الْعَمَلُ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ فَبَقِيَ مَعْمُولًا فِي الْبَاقِي.
«أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: لَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا فِي خُلُقٍ، وَلَكِنِّي أَخْشَى الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لِشِدَّةِ بُغْضِي إيَّاهُ، فَقَالَ: أَتَرُدِّينَ إلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً، فَقَالَ ﷺ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» (وَكَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا) بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، فَكَانَ قَوْلُهُ " أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا " يَنْفِي إبَاحَةَ أَخْذِ الْفَضْلِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَإِذَا انْتَفَى الْإِبَاحَةُ كَانَ مَكْرُوهًا (وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ (شَيْئَانِ: الْجَوَازُ حُكْمًا) أَيْ جَوَازُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ فِي الْقَضَاءِ (وَالْإِبَاحَةُ) أَيْ إبَاحَةُ أَخْذِ الزِّيَادَةِ هَكَذَا فَسَّرَ الشَّارِحُونَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ﵀ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بِأَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ جَائِزٌ دُونَ الْعَكْسِ، لِأَنَّ الْجَوَازَ ضِدُّ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةَ ضِدُّ الْكَرَاهَةِ.
فَإِذَا انْتَفَى الْجَوَازُ ثَبَتَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فَتَنْتَفِي الْإِبَاحَةُ أَيْضًا، وَإِذَا انْتَفَتْ الْإِبَاحَةُ ثَبَتَ ضِدُّهَا وَهُوَ الْكَرَاهَةُ، وَلَا يَنْتَفِي بِهِ الْجَوَازُ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَقَدْ تُرِكَ) يَعْنِي مَا تَلَوْنَا (فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ) وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ " أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا " لِكَوْنِهِ نَهْيًا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْإِيحَاشِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ (فَبَقِيَ مَعْمُولًا فِي الْبَاقِي) وَهُوَ الْجَوَازُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ الرَّدِّ، وَكَلَامُنَا فِي كَرَاهِيَةِ الْأَخْذِ فَلَيْسَ الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا بِمَحَلِّ النِّزَاعِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرُ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ الْكِتَابَ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الرَّدَّ إذَا كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ وَهِيَ نَاشِزَةٌ فَكَانَ الْأَخْذُ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ نَاشِزٍ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُبَاحًا فَكَانَ مُتَّصِلًا بِمَحَلِّ النِّزَاعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُعَارِضَ لِلْكِتَابِ إذَا أَخَذَ أَبَانَ وَهُوَ نَاشِزٌ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ وَالْكِتَابُ يَجُوزُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute