للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ كَمَا دَخَلَ الْوَقْتُ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ دَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ، فَظَهَرَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ الْمَعْذُورُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِهِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ الضُّحَى، وَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ وَأُخْرَى فِيهِ لِلْعَصْرِ فَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ بِهِ لِانْتِقَاضِهِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَفْرُوضَةِ

عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِيَّةِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ فَكَانَ نَقْضُهَا بِاعْتِبَارِهَا (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ كَمَا دَخَلَ الْوَقْتُ) وَلَيْسَ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ بَلْ لِلْمُفَاجَأَةِ: أَيْ لِيُفَاجِئَ تَمَكُّنَ الْأَدَاءِ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ، وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأَدَاءِ وَاجِبٌ، فَكَانَ تَقْدِيمُهَا عَلَى خَلَفِهِ جَائِزًا حَطًّا لِرُتْبَتِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْأَصْلِ.

فَإِنْ قُلْت: فَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ وَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ لَا مَحَالَةَ وَلَيْسَ التَّقْدِيمُ وَاجِبًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُضَافَ مَحْذُوفٌ: أَيْ لَا بُدَّ مِنْ جَوَازِ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ صَالِحًا لِظُهُورِ الْحَدَثِ عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ مُحَقِّقًا لِلْحَاجَةِ، وَأَمَّا خُرُوجُ الْوَقْتِ فَدَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ فَظَهَرَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ.

وَقَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ) أَيْ الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الَّذِي اُعْتُبِرَ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ. وَقَوْلُهُ: (عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ: (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) يَعْنِي صَلَاةَ الْعِيدِ (بِمَنْزِلَةِ الضُّحَى) مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِمَفْرُوضَةٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهَا صَلَاةُ الضُّحَى أُدِّيَتْ بِجَمَاعَةٍ. وَقَوْلُهُ: (فَعِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْجَمِيعِ كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ الشُّبْهَةَ تَأْتِي عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ عَلَى الْوَقْتِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالدُّخُولِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ لِمَا أَنَّ هَذَا دُخُولٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى خُرُوجٍ، فَهِيَ إنْ لَمْ تَنْتَقِضْ بِالدُّخُولِ تَنْتَقِضُ بِالْخُرُوجِ. قِيلَ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الظُّهْرِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ، وَمَا رَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ إذَا صَارَ مِثْلَهُ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>