وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، ثُمَّ هُوَ مُحْكَمٌ فَيُرَدُّ التَّحْرِيمُ إلَيْهِ.
قَالَ (وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ الزَّوْجَةِ، حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ وَلِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْأَمَةِ تَابِعٌ فَلَا تُلْحَقُ بِالْمَنْكُوحَةِ، وَلِأَنَّ الظِّهَارَ مَنْقُولٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَا طَلَاقَ فِي الْمَمْلُوكَةِ.
وَضَعَّفَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْ وَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَ مُتَكَلِّمًا بِلَفْظِ الظِّهَارِ بَعْدَ مَا بَانَتْ، وَالظِّهَارُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ الظِّهَارُ مَعَ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. قُلْنَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
وَأَجَابَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ عَنْ هَذَا فَقَالَ: يَصِحُّ ظِهَارُ الْمُبَانَةِ عَلَى قَوْلِهِ، وَكَانَ هَذَا رِوَايَةً مِنْهُ عَلَى صِحَّةِ ظِهَارِ الْمُبَانَةِ وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَكُونُ ظِهَارًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حُكْمِ الظِّهَارِ وَيُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ الطَّلَاقِ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ.
وَقَوْلُهُ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي مَبْسُوطَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ) وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إلَى النِّيَّةِ (فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ مِنْ الطَّلَاقِ) وَالْإِيلَاءِ (ثُمَّ هُوَ مُحْكَمٌ) لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْغَيْرِ، وَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ وَغَيْرَهُ كَمَا مَرَّ (فَيُرَدُّ التَّحْرِيمُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الظِّهَارِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي رَدِّ الْمُحْتَمَلِ عَلَى الْمُحْكَمِ.
قَالَ (وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ الزَّوْجَةِ، حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ وَلِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْمَمْلُوكَةِ تَابِعٌ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةُ الرَّدِّ بِسَبَبِ الْحُرْمَةِ فَلَا تَكُونُ الْأَمَةُ فِي مَعْنَى الْمَنْكُوحَةِ حَتَّى تَلْحَقَ بِهَا (وَلِأَنَّ الظِّهَارَ مَنْقُولٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَا طَلَاقَ فِي الْمَمْلُوكَةِ) وَعُورِضَ بِأَنَّ الْأَمَةَ مَحَلُّ الظِّهَارِ بَقَاءً فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا ابْتِدَاءً؛ كَمَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهُ يَبْقَى حُكْمُ الظِّهَارِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ بَقَاءَ الظِّهَارِ فِيمَا ذَكَرْت لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَحَلٌّ لِلظِّهَارِ بَقَاءً، وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُرْمَةَ الظِّهَارِ إذَا صَادَفَتْ الْمَحَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute