وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ بِتَلَاعُنِهِمَا لِأَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِالْحَدِيثِ. وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَلْزَمُهُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ذَلِكَ الْمُلَاعِنِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا، هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ (وَتَكُونُ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي انْتَسَبَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعِنِّينِ
وَقَوْلُهُ (فَإِذَا الْتَعْنَا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّلَاعُنِ قَبْلَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ تَوَارَثَا (وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَلَاعُنِهِمَا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ بِالْحَدِيثِ) يَعْنِي قَوْلَهُ ﷺ «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» نَفَى الِاجْتِمَاعَ بَعْدَ التَّلَاعُنِ، وَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِالتَّلَاعُنِ (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ (أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَلْزَمُهُ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ) وَقَوْلُهُ (دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنْ لَا تَقَعَ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْقَاضِي، وَلَوْ قَالَ دَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا كَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ.
وَقَوْلُهُ «قَوْلُ ذَلِكَ الْمُلَاعِنِ يُرِيدُ بِهِ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ اللِّعَانِ: كَذَبْت عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتهَا هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ»، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ «اذْهَبْ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُنْصَرِفٌ إلَى طَلَبِهِ رَدَّ الْمَهْرِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إنْ كُنْت صَادِقًا فَهُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا».
وَالْجَوَابُ عَنْ اسْتِدْلَالِ زُفَرَ بِالْحَدِيثِ يَجِيءُ (ثُمَّ إذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ تَكُونُ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي انْتَسَبَ إلَيْهِ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ كَمَا فِي الْعِنِّينِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute