وَلَنَا أَنَّ بِالْحَبَلِ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ كَذَا الْعَادَةُ، وَالنِّفَاسُ بَعْدَ انْفِتَاحِهِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ، وَلِهَذَا كَانَ نِفَاسًا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُ يَنْفَتِحُ فَيَتَنَفَّسُ بِهِ (وَالسَّقْطُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ وَلَدٌ) حَتَّى تَصِيرَ الْمَرْأَةُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ وَكَذَا الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِهِ
(وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ)
وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَرَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ الثَّانِي فَإِنَّهَا حَامِلٌ فِي حَقِّ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَذَلِكَ نِفَاسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا جَمِيعًا مِنْ الرَّحِمِ.
وَلَنَا أَنَّ الْحَيْضَ دَمُ الرَّحِمِ وَدَمُ الرَّحِمِ لَا يُوجَدُ مِنْ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ بِالْحَبَلِ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَنْزِلَ مَا فِيهِ لِكَوْنِ الثُّقْبِ مِنْ أَسْفَلَ، وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّفَاسِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ انْفِتَاحِهِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ، وَلِهَذَا كَانَ نِفَاسًا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْفَتِحُ فَيَتَنَفَّسُ بِالدَّمِ، هَذَا إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ، فَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَقَلُّهُ فَلَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ وَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ مَا يَعْقُبُ الْوَلَدَ وَلَمْ يُوجَدْ الْوَلَدُ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَقَلِّ حُكْمُ الْكُلِّ.
وَإِنَّمَا أَبْهَمَ الْبَعْضَ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ. رَوَى خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ نِفَاسٌ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ بَعْدَ خُرُوجِ الرَّأْسِ وَنِصْفِ الْبَدَنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْبَدَنِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ جَمِيعُ وَلَدِهَا.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي خُرُوجِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مُصَحَّحٌ عَلَى مَا رَوَى خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ النِّفَاسَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كُلِّهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ وَضْعُ الْحَمْلِ كُلِّهِ لَا يَثْبُتُ النِّفَاسُ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ فَنَقَلَهَا.
وَقَوْلُهُ: (وَالسِّقْطُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ) كَأُصْبُعٍ مَثَلًا (وَلَدٌ تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ نُفَسَاءَ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ) إنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى (وَالْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِهِ) وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَبِنْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ فَلَا نِفَاسَ لَهَا، وَلَكِنْ إنْ أَمْكَنَ جَعْلُ الْمَرْئِيِّ مِنْ الدَّمِ حَيْضًا بِأَنْ يَدُومَ إلَى أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ يُجْعَلُ حَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَانَ اسْتِحَاضَةً.
قَالَ (وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ) لَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَا يُوجَدُ فَإِنَّهَا كَمَا وَلَدَتْ إذَا رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي وَكَانَ مَا رَأَتْ نِفَاسًا لَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ أَصْحَابِنَا إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَبَ اعْتِبَارُ أَقَلِّ النِّفَاسِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي أَيُّ مِقْدَارٍ يُعْتَبَرُ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ أَقَلُّهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute