وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى، إمَّا عَمَلًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَطْهَارِ وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُبْقِ جَمْعًا، أَوْ لِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ لِقَوْلِهِ ﵊ «وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِهِ
(وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ الْآيَةَ
لِكَوْنِهِ مِنْ الْأَضْدَادِ إشَارَةً إلَى نَفْيِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ مُنَاسَبَةٍ وَكَوْنُهُ مِنْ الْأَضْدَادِ يَنْفِيهَا، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَيْضِ أَوْلَى لِمَعَانٍ: أَحَدُهُمَا الْعَمَلُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ: يَعْنِي الْقُرُوءَ فَإِنَّهُ جَمْعُ قُرْءٍ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَى الْحَيْضِ لَا عَلَى الطُّهْرِ لِمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يُوقَعُ فِي طُهْرٍ وَهُوَ السُّنَّةُ، ثُمَّ هُوَ مَحْسُوبٌ عَنْ الْأَقْرَاءِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْأَطْهَارِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُدَّةُ عِدَّتِهَا قُرْأَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ، وَلَفْظُ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ خَاصٌّ لِكَوْنِهِ وُضِعَ لِمَعْنًى مَعْلُومٍ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النُّقْصَانَ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُرِيدَ بِالْقُرُوءِ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ ثَلَاثًا.
وَالثَّانِي أَنَّ الْحَيْضَ مُعَرِّفٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِأَنَّ بَرَاءَتَهَا إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ، لِمَا أَنَّ الْحَمْلَ طُهْرٌ مُمْتَدٌّ فَيَجْتَمِعَانِ فَلَا يَحْصُلُ التَّعَرُّفُ بِأَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ حَائِلٌ وَهُوَ أَيْ التَّعَرُّفُ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ ﷺ «وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» وَالرِّقُّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي التَّنْصِيفِ لَا فِي النَّقْلِ مِنْ الطُّهْرِ إلَى الْحَيْضِ فَيُلْحَقُ بَيَانًا بِهِ: أَيْ فَيُلْحَقُ هَذَا الْخَبَرُ بِالْمُشْتَرَكِ مِنْ الْكِتَابِ بَيَانًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute