(وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا إلَى مَكَّةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي غَيْرِ مِصْرٍ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْخُرُوجِ مَعْنًى بَلْ هُوَ بِنَاءٌ (وَإِنْ كَانَتْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ إلَى الْمَقْصِدِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُكْثَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ، إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فِي مِصْرٍ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ حَتَّى تَعْتَدَّ ثُمَّ تَخْرُجَ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
فِي أَمْرِ السُّكْنَى.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا إلَى مَكَّةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ دُونُهَا. أَمَّا إذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَى مَقْصِدِهَا يَكُونُ سَفَرًا وَالرُّجُوعُ لَا يَكُونُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا فَلِأَنَّهَا كَمَا رَجَعَتْ صَارَتْ مُقِيمَةً، وَإِذَا مَضَتْ كَانَتْ مُسَافِرَةً مَا لَمْ تَصِلْ إلَى الْمَقْصِدِ، فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ اسْتِدَامَةِ السَّفَرِ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلُّ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْمُكْثَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَكَّةَ وَغَالِبُ طُرُقِهَا مَفَازَةٌ وَمَعْطَشٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ. قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ أَقْرَبَ الْجَانِبَيْنِ وَهِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالَّتِي أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَهَا أَنْ تُهَاجِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ لِأَنَّهَا خَائِفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَدِينِهَا فَهَذِهِ فِي الْمَفَازَةِ كَذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ) وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مَضَتْ إلَى مَقْصِدِهَا لِأَنَّهَا إذَا مَضَتْ لَا تَكُونُ مُنْشِئَةً سَفَرًا وَلَا سَائِرَةً فِي الْعِدَّةِ مُدَّةَ السَّفَرِ، وَإِنْ رَجَعَتْ كَانَتْ مُنْشِئَةً سَفَرًا فَلِهَذَا مَضَتْ إلَى مَقْصِدِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ هَذَا الشِّقَّ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْجَانِبَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ كَانَتْ بِالْخِيَارِ. فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَقَلَّ تَعَيَّنَ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي مِصْرٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ: يَعْنِي أَنَّ لَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute