الْتِزَامًا لِلْمُكْثِ فِيهِ عُرْفًا، وَهَذَا أَصَحُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا: الْوَطَنُ وَوُجُودُ النِّكَاحِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ تَفَاوُتٌ، أَمَّا إذَا تَقَارَبَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِ أَنْ يُطَالِعَ وَلَدَهُ وَيَبِيتَ فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْقَرْيَتَيْنِ، وَلَوْ انْتَقَلَتْ مِنْ قَرْيَةِ الْمِصْرِ إلَى الْمِصْرِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ حَيْثُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْأَبِ، وَفِي عَكْسِهِ ضَرَرٌ بِالصَّغِيرِ لِتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ.
لِلذِّمِّيِّ إلَّا أَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ الْمُوجِبَ لِلذُّلِّ وَالصَّغَارِ مَانِعٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ غَيْرُ مَنْقُولٍ عَنْ السَّلَفِ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءُ الْجَوَابِ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ مَعْنَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا وَجْهَ إلَى الْمَنْعِ مِنْ إطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا. وَأَقُولُ: إنْ ثَبَتَ فِي حَرْبِيٍّ يَتَزَوَّجُ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصِيرَ بِهِ ذِمِّيًّا رِوَايَتَانِ صَحَّ اسْتِخْرَاجُ وَجْهِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ يُرِيدُ بِهِ الْقُدُورِيَّ وَوَجْهُ كُلٍّ مِمَّا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَأَمَّا فِي عَكْسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ أَنْ تَخْرُجَ إلَى وَطَنِهَا وَلَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ بِالْأَوْلَادِ إلَيْهَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الْآخَرُ وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ وَطَنَهَا وَلَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَنْ ذِكْرِهِ لِظُهُورِهِ مِنْ الْأَقْسَامِ الْبَاقِيَةِ (قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ) ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ وُجُودِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ: لَا بُدَّ مِنْ وَصْفٍ آخَرَ هُوَ شَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانَتْ وَطَنَهَا وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّةَ بِالتَّزَوُّجِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً فَأَنَّى يَتَسَنَّى لَهَا الِانْتِقَالُ إلَيْهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ مُسْلِمٌ عَقَدَ عَلَى مُسْلِمَةٍ فِي وَطَنِهَا دَارِ الْحَرْبِ فَخَرَجَا إلَيْنَا وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَأَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِوَلَدِهَا لَمْ تُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute