للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُحَلِّفُهَا بِاَللَّهِ مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ نَظَرًا لِلْغَائِبِ.

قَالَ (وَلَا يَقْضِي بِنَفَقَةٍ فِي مَالٍ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ، أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ فَنَفَقَتُهُمْ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهِ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوْ لَمْ يَخْلُفْ مَالًا فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ لِيَفْرِضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا عَلَى الْغَائِبِ وَيَأْمُرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِذَلِكَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ.

وَقَالَ زُفَرُ: يَقْضِي فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهَا وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ، فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَصَدَّقَهَا فَقَدْ أَخَذَتْ حَقَّهَا، وَإِنْ جَحَدَ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْكَفِيلُ أَوْ الْمَرْأَةُ، وَعَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَهُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ،

وَلَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ غَائِبٍ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) يَعْنِي زَوْجَةَ الْغَائِبِ وَوَلَدَهُ الصِّغَارَ وَوَالِدَيْهِ، أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ فَلَا يُقْضَى بِنَفَقَتِهِمْ فِيهِ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ) قِيلَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُوجِبُ النَّفَقَةَ لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (وَ) لَوْ (لَمْ يَكُنْ) يَعْنِي الرَّجُلَ (مُقِرًّا بِهِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يَعْتَرِفُ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ (فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ) يَعْنِي فِي الصُّورَتَيْنِ إذَا كَانَ ثَمَّةَ وَدِيعَةٌ وَلَكِنْ يُنْكِرُ الزَّوْجِيَّةَ أَوْ أَقَامَتْهَا لِيَفْرِضَ الْقَاضِي نَفَقَةً فِيمَا إذَا لَمْ يَخْلُفْ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِالزَّوْجِيَّةِ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>