للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، أَمَّا إذَا كَانَ فَالْأَصْلُ أَنَّ نَفَقَةَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِ نَفْسِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا.

فَصْلٌ.

وَالِاحْتِبَاسُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ السَّبَبُ مَوْجُودًا فَتَجِبُ النَّفَقَةُ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ مَانِعًا كَمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا كَانَ سَبَبُهُ الْعَقْدَ فَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي وُجُوبَهُ كَالْمَهْرِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمِيرَاثُ لَيْسَ سَبَبُهُ الْعَقْدَ، وَإِنَّمَا مَبْنَاهُ عَلَى الْوِلَايَةِ، وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا. وَأَقُولُ: لَوْ اسْتَدَلَّ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَيْضًا بِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ الْآيَةَ كَانَ أَسْهَلَ تَأَتِّيًا لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفَقَتِهِنَّ بِعِبَارَتِهِ وَعَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ بِالدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى دَفْعِ مَا يُوهِمُ كَلَامُهُ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي سَبَبِ النَّفَقَةِ؛ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ هَاهُنَا الْعَقْدَ الصَّحِيحَ وَجَعَلَهُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ الْوِلَادَ وَقَبْلَهُ الِاحْتِبَاسُ الْحَاصِلُ بِالْعَقْدِ وَدَفَعَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَقَوْلُهُ (فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ مَعَ مُوَافَقَةِ الدِّينِ وَمُخَالَفَتِهِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ وَتَنْكِيرُ مَالٍ يُشِيرُ إلَى عُمُومِهِ بِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا أَوْ دُورًا أَوْ عَقَارًا أَوْ ثِيَابًا. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ عَقَارٌ أَوْ ثِيَابٌ وَاحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لِلنَّفَقَةِ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي نَفَقَةِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ فِي مَالِ نَفْسِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا مَالٌ فَالْأَصْلُ مَنْقُوضٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ عِبَارَةٌ عَنْ حَالَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بِأُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ فَيَتَغَيَّرُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ فِي مُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ، فَمَا دَامَ الِاحْتِبَاسُ قَائِمًا كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً تَحْقِيقًا لِلْمُعَادَلَةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ مَعَ الْغِنَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>