للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا فَكَانَ أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ، وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا.

- «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَكَانَا غَنِيَّيْنِ بِمَالِهِ، وَالْغَنِيُّ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّأْوِيلُ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُعَارِضُ إطْلَاقَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ قُلْت: الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ فَتَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ. سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ الْآحَادِ لَكِنَّ تَرْكَ إطْلَاقِ قَوْلِهِ ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى تَقْيِيدِهَا بِغَيْرِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ﴾ الْآيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قُلْت: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ﴾ يَقْتَضِي أَنْ يُشَارِكَ الْجَدُّ الِابْنَ، كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ يَقْتَضِيهِ: قُلْت: لَمَّا ثَبَتَ لِلْوَالِدِ التَّأْوِيلُ فِي مَالِ الْوَلَدِ بِالْإِجْمَاعِ صَارَ غَنِيًّا بِهِ وَالْغَنِيُّ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى وَالِدِهِ فَلَا يُشَارِكُ الْجَدُّ الِابْنَ.

وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِمَا) أَيْ الْوَلَدُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْأَقْرَبُ إلَيْهِمَا أَوْلَى لِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَجَبَتْ بِالْقَرَابَةِ، فَمَنْ كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ أَوْلَى بِالِاسْتِحْقَاقِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّفَقَةَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى قِيَاسِ الْمِيرَاثِ وَعَلَى قِيَاسِ نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ.

وَوَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا. وَبَيَانُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَبَوَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ التَّأْوِيلِ وَحَقِّ الْمِلْكِ لَهُمَا فِي مَالِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فَيَكُونَانِ سَوَاءً؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمَا هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ وَإِنْ انْعَدَمَ التَّوَارُثُ، فَقَوْلُهُ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>