للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ، وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ وَالْجَبْرَ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ.

قَالَ (وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ عَلَى أَبَوَيْهِ أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ) لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ. قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَالْحَسَنِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ﴾ وَصَارَ كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمَئُونَةٌ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتَصَّ بِنَفَقَتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فِيهِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ، وَفِي غَيْرِ الْوَالِدِ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمِيرَاثِ حَتَّى تَكُونَ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ أَثْلَاثًا، وَنَفَقَةُ الْأَخِ الْمُعْسِرِ عَلَى الْأَخَوَاتِ الْمُتَفَرِّقَاتِ الْمُوسِرَاتِ أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ،

وَلَا يَرِثُ مَعَهُ الْعَمُّ لِأَبٍ وَلَا الْعَمُّ لِأُمٍّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ يَكُونُ مُحْتَاجًا يُجْعَلُ مَعْدُومًا وَتَكُونُ النَّفَقَةُ بَعْدَهُ عَلَى مَنْ يَكُونُ وَارِثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ابْنَةً كَانَ نَفَقَةُ الْأَبِ وَالِابْنَةِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً، أَمَّا نَفَقَةُ الِابْنَةِ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَبِ فَلِأَنَّ الْوَارِثَ هَاهُنَا الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً لِأَنَّ الْأَخَ لِأَبٍ وَأُمٍّ يَرِثُ مَعَ الِابْنَةِ وَالْأَخَ لِأُمٍّ لَا يَرِثُ مَعَهَا فَلَا حَاجَةَ أَنْ يَجْعَلَ الْبِنْتَ كَالْمَعْدُومَةِ، وَلَكِنْ تُعْتَبَرُ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ مَعَ بَقَائِهَا، بِخِلَافِ الِابْنِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ كَالْمَعْدُومِ؛ فَإِذَا جُعِلَ كَذَلِكَ فَمِيرَاثُ الْأَبِ يَكُونُ بَيْنَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْأَخِ لِأُمٍّ أَسْدَاسًا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمِيرَاثُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى غَيْرِهِمْ، وَأَمَّا إذَا تَجَاوَزَ عَنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ الْفَقِيرِ خَالٌ مُوسِرٌ وَابْنُ عَمٍّ مُوسِرٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الَّذِي لَمْ يَرِثْ لَا عَلَى غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الَّذِي هُوَ وَارِثٌ فَيَكُونُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْخَالِ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي يُحْرِزُ الْمِيرَاثَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَابْنُ الْعَمِّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْخَالُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْكِتَابِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ النَّفَقَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمِيرَاثِ بِالنَّصِّ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَجِبَ النَّفَقَةُ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِكَوْنِهِ وَارِثًا وَلَا تَجِبُ عَلَى الْخَالِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ وَارِثٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ نَفَقَةَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَاجِبَةٌ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ، وَتَحْقِيقُ صِلَةِ قَرَابَةِ ابْنِ الْعَمِّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْخَالِ فَإِنَّ صِلَتَهُ وَاجِبَةٌ وَالنَّفَقَةُ مِنْهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ.

قَالَ (وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ) يَعْنِي بَيْنَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ حَيْثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>