للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْمَوْتِ حَالَةُ التَّمَلُّكِ اسْتِقْبَالٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ فَافْتَرَقَا. وَلَا يُقَالُ: إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ. لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ لَكِنْ

وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَهُ وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا قَبْلَهُ كَاَلَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ حَالَةَ التَّمَلُّكِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِيجَابُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَإِلَى سَبَبِهِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ حَالُ التَّمَلُّكِ اسْتِقْبَالًا مَحْضًا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَالَ التَّمَلُّكِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي مِلْكِهِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ لِدُخُولِهِ حِينَئِذٍ تَحْتَ الْحَالِ الْمُتَرَبِّصَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا لِكَوْنِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةً، بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَمْلِكُهُ أَوْ لِي حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ، وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ لَا يَتَنَاوَلُهَا الْإِيجَابُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَإِلَى سَبَبِهِ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ (وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْوَصَايَا مَعْنَى لَا أَنْ يَكُونَ جَوَابَ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ. قَالَ. وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ الْإِيجَابُ الْمُشْتَرِيَ أَصْلًا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ، لِأَنَّ التَّنَاوُلَ إنَّمَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي حَقِّهِ بِمَوْجُودٍ. فَأَجَابَ بِأَنَّ تَنَاوُلَهُ بِاعْتِبَارِ الْإِيصَاءِ لَا الْإِيجَابِ الْحَالِيِّ.

وَقَوْلُهُ (وَلَا يُقَالُ إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ) إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابَ عِتْقٍ وَوَصِيَّةَ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي طَرَفَيْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ صِفَاتِ اللَّفْظِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّنَافِيَ بَيْنَ طَرَفَيْ كَلَامٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ الْمُرَادُ إيجَابَ عِتْقٍ فِي الْحَالِ أَوْ كَوْنَهُ إيصَاءً فَقَطْ إنْ كَانَ الْمُرَادُ إيجَابَ عِتْقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْكَلَامُ تَدْبِيرٌ وَالتَّدْبِيرُ حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً وَالْوَصِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ وَالْمُنْتَظَرَةُ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَمَا يُوجَدُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَمَّا مَا بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ تَحْتَهُ فَلَا يَصِيرُ الْمُسْتَحْدَثُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَمُوتَ لَعَلَّهُ كَانَ أَسْهَلَ تَأَتِّيًا

<<  <  ج: ص:  >  >>