أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى.
(فَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ حُرٌّ وَوَلَدَ الْقِنَّةِ رَقِيقٌ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا إذْ الْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ،
وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَخْرَوَانِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَقَوْلُهُ (عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) قِيلَ فَائِدَةُ تَكْرَارِ " عَنْ " دَفْعُ وَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا بِاتِّفَاقِهِمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْآخَرِ، فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ فَهِيَ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَهُ سَوَاءٌ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ، حَصَّنَهَا أَوْ لَمْ يُحْصِنْهَا تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهَا وَحَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فَهِيَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْتِقَ الْوَلَدَ وَيَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيُعْتِقَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ نَسَبٍ لَيْسَ مِنْهُ لَا يَحِلُّ شَرْعًا فَيُحْتَاطُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ فِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ النَّسَبَ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ الْوَلَدُ وَيُعْتِقُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ. وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ وَحَصَّنَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدَّعِيَ، وَإِنْ لَمْ يُحْصِنْ أَوْ عَزَلَ فَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِمَالُ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاعْتِرَافُ بِالشَّكِّ.
(فَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ) لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا بَعْدَمَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَمِنْ الْأَحْكَامِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَعَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْوَصِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقًا بِالصَّحِيحِ كَانَ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى) مَعْنَاهُ إذَا زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُعْتَقُ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا كَلَامَهُ بِذَلِكَ لِيَسْتَقِيمَ قَوْلُهُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتَةٌ قَبْلَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ فَوَائِدِ مَوْلَانَا حُمَيْدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِيرَ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بِدَعْوَةِ الْوَلَدِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ مِنْهُ كَيْفَ يَثْبُتُ الْفَرْعُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيلَادِ كَافٍ لِثُبُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِمُصَادَفَةِ إقْرَارِ الْمَوْلَى فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَهَذَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى بِعُلُوقٍ سَبَقَ النِّكَاحَ أَوْ بِشُبْهَةٍ بَعْدَ النِّكَاحِ، إلَّا أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ النَّسَبِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْ النَّسَبِ فَبَقِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute