للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ) وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْوَفَاءِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا. وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ.

بَيْنَ كَوْنِ النَّذْرِ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ (وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ) وَلَوْ نَجَّزَ النَّذْرَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ تُجْزِهِ الْكَفَّارَةُ فَكَذَا هَاهُنَا (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ تَعْيِينِ الْوَفَاءِ بِنَفْسِ النَّذْرِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَبَيْنَ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ (وَقَالَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْوَفَاءِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا) حَتَّى لَوْ كَانَ مُعْسِرًا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَنْ يَصُومَ شَهْرًا.

وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ. وَوَجْهُهُ مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» قَالُوا (هَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ) لِأَنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا تَرَى تَعَارُضًا. فَحَمَلْنَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ عَلَى النَّذْرِ الْمُرْسَلِ وَعَلَى مُقَيَّدٍ أَرَادَ الْحَالِفُ كَوْنَهُ. وَالثَّانِيَ عَلَى مُقَيَّدٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْآثَارِ، وَالْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَلَامَهُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى النَّذْرِ وَالْيَمِينِ جَمِيعًا، أَمَّا مَعْنَى النَّذْرِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعْنَى الْيَمِينِ فَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْمَنْعَ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ (فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ) وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَائِزٌ كَالْعَبْدِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِالْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ أَدَاءِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا. وَالنَّذْرُ وَالْيَمِينُ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاجِبٌ لِعَيْنِهِ، وَالْيَمِينُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ صِيَانَةُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ) وَهُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّ قَصْدَهُ إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيمَا جَعَلَهُ شَرْطًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا التَّفْصِيلُ) أَيْ الَّذِي ذَكَرْنَا بَيْنَ شَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَبَيْنَ شَرْطٍ يُرِيدُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ حَصْرَ الصِّحَّةِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ حَصْرَهَا فِيهِ مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ فَالدَّفْعُ مُمْكِنٌ مِنْ حَيْثُ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمُرْسَلِ وَالْآخَرِ عَلَى الْمُعَلَّقِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَمَا لَا يُرِيدُهُ، عَلَى أَنَّ فِيهِ إيمَاءً إلَى الْقُصُورِ فِي الذَّهَابِ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>