(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَأَخَذَ فِي النَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَلَّ. وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَانُ تَحْقِيقِهِ (فَإِنْ لَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ لَهَا دَوَامٌ بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهَا مُدَّةٌ يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ وَلَوْ نَوَى الِابْتِدَاءَ الْخَالِصَ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُ زُفَرَ قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمْ اسْتِحْسَانٌ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَفْعَالَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٍ يَقْبَلُ الِامْتِدَادَ وَضَرْبٍ لَا يَقْبَلُهُ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا قَبُولُ التَّأْقِيتِ وَعَدَمِهِ فَمَا قَبِلَ التَّأْقِيتَ قَبِلَ الِامْتِدَادَ وَمَا لَا فَلَا. وَالِاسْتِدَامَةُ عَلَى الْمُمْتَدِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ أَيْ فَلَا تَمْكُثْ قَاعِدًا لِأَنَّهُ ﷺ كَانَ يَعِظُ النَّاسَ قَاعِدًا، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا رَكِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَكَثَتْ سَاعَةً يُمْكِنُهَا النُّزُولُ فِيهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ مَكَثَتْ مِثْلَهَا طَلُقَتْ أُخْرَى لِأَنَّ لِلدَّوَامِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، وَكَلِمَةُ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ فَيَتَكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ. وَنُوقِضَ بِمَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَرَكِبَ دَابَّةً فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ فِي الرُّكُوبِ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا لَلَزِمَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ فِيمَا يَمْتَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِنْشَاءُ الْخَالِصُ غَيْرَ مُرَادٍ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ إذَا كَانَ رَاكِبًا وَقْتَ الْيَمِينِ لَزِمَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ النُّزُولُ وَالرُّكُوبُ دِرْهَمٌ لِكَوْنِ الْإِنْشَاءِ الْخَالِصِ غَيْرَ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا قَالَ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ احْتِرَازٌ عَمَّا يُقَالُ فِي مَجَارِي كَلَامِهِمْ دَخَلْت يَوْمًا وَخَرَجْت يَوْمًا وَلَكِنْ لَا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ نَوَى الِابْتِدَاءَ الْخَالِصَ يَصْدُقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامٍ) سَمَّاهُ مُحْتَمَلًا وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ لَا يَرْكَبُ حَقِيقَةً فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا فَالِابْتِدَاءُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute