للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا حَنِثَ) لِأَنَّ صِفَةَ الصِّغَرِ فِي هَذَا لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ امْتِنَاعًا عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ.

فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ الصِّبَا مَظِنَّةُ السَّفَهِ وَالشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنْ الْجُنُونِ فَكَانَا وَصْفَيْنِ دَاعِيَيْنِ إلَى الْيَمِينِ وَقَدْ زَالَا عِنْدَ الشَّيْخُوخَةِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ إلَخْ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنْ الشَّرْعُ أَسْقَطَ اعْتِبَارَهَا لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ، قَالَ «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» الْحَدِيثَ. وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً، فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى الذَّاتِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ حَالَةَ الشَّيْخُوخَةِ فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ. وَاعْتُرِضَ عَلَى دَلِيلِ الْكِتَابِ بِأَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، لَكِنْ الْحَرَامُ يَقَعُ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَيَشْرَبَنَّ الْيَوْمَ خَمْرًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ يَجُوزُ أَنْ تُتْرَكَ بِهِجْرَانِ الشَّرْعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمِلًا لِلْمَجَازِ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ، وَأَمَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى الْحَرَامِ الْمَحْضِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ.

وَقَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ) ظَاهِرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>