ثُمَّ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ مَا يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً وَتُعْتَبَرُ عَادَةُ أَهْلِ كُلِّ بَلْدَةٍ فِي حَقِّهِمْ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ.
(وَمَنْ قَالَ إنْ لَبِسْت أَوْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ وَالثَّوْبُ وَمَا يُضَاهِيهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَلَغَتْ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا لَمْ يُدَنْ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي مَحَلِّ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَعُمِلَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ.
وَقَوْلُهُ (وَتُعْتَبَرُ عَادَةُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ فِي حَقِّهِمْ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ خُبْزًا فَخُبْزٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَحْمًا فَلَحْمٌ، حَتَّى أَنَّ الْحَضَرِيَّ إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْغَدَاءِ فَشَرِبَ اللَّبَنَ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْبَدَوِيُّ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّهُ غِذَاءٌ فِي الْبَادِيَةِ. وَقَوْلُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ) رَوَاهُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ مَنْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ مَا تَغَدَّيْت وَمَا تَعَشَّيْت.
(وَمَنْ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت أَوْ لَبِسْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً) وَلَا دِيَانَةً (لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ) لِأَنَّهَا لِتَعْيِينِ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ (وَالثَّوْبُ وَمَا يُضَاهِيهِ غَيْرُ مَلْفُوظٍ) فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ تَنْصِيصًا أَلَيْسَ أَنَّهُ ثَابِتٌ مُقْتَضًى وَالْمُقْتَضَى كَالْمَلْفُوظِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَلَغَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِيهِ) فَإِنْ قِيلَ: الْمُقْتَضَى أَمْرٌ شَرْعِيٌّ وَافْتِقَارُ الْأَكْلِ إلَى الطَّعَامِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّرْعَ. قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْمُقْتَضَى هُوَ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَلَا يَكُونُ مَنْطُوقًا بِهِ، لَكِنْ يَكُونُ مِنْ ضَرُورَةِ اللَّفْظِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَرْعِيًّا أَوْ عَقْلِيًّا. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً مَعَ أَنَّ السَّفَرَ أَوْ الْخُرُوجَ غَيْرُ مَذْكُورٍ لَفْظًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَنَوَى بِهِ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ النِّيَّةَ صَحِيحَةٌ مَعَ أَنَّ الْمَسْكَنَ غَيْرُ مَذْكُورٍ لَفْظًا، حَتَّى لَوْ سَكَنَ مَعَهُ فِي الدَّارِ لَا يَحْنَثُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأُولَى مَمْنُوعَةٌ مَنَعَهَا الْقُضَاةُ الْأَرْبَعُ أَبُو هُشَيْمٍ وَأَبُو خَازِمٍ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَالْقَاضِي الْقُمِّيُّ. وَلَئِنْ سَلِمَ فَقَوْلُهُ إنْ خَرَجْت وَلَا يُسَاكِنُ فِعْلَانِ يَدُلَّانِ عَلَى الْمَصْدَرِ لُغَةً، وَقَدْ وَقَعَ الثَّانِي فِي صَرِيحِ النَّفْيِ وَالْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ فَتَنَاوَلَا بِعُمُومِهِمَا الْخُرُوجَ فِي السَّفَرِ وَالسَّكَنَ فَجَازَ تَخْصِيصُهُمَا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute