(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ) حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إذَا شَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفُ الْمَفْهُومِ. وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ إجْمَاعًا فَمُنِعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا.
وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا) أَيْ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى دِجْلَةَ بِعَيْنِهَا وَيَشْرَبَ يُقَالُ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ لِيَشْرَبَ مِنْهُ وَمِنْهُ كَرِهَ عِكْرِمَةُ الْكَرْعَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ تُدْخِلُ فِيهِ أَكَارِعَهَا، وَالْكُرَاعُ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ، وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَقَالَا: إذَا شَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ حَنِثَ) وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَكْسِ، أَمَّا كَوْنُ الْمَجَازِ مُتَعَارَفًا فَظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَهْلُ فُلَانٍ يَشْرَبُونَ مِنْ دِجْلَةَ أَنَّهُمْ يَشْرَبُونَ مِنْ مَائِهَا، وَأَمَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ فَلِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَعُونَ مِنْ الْأَنْهَارِ وَالْأَوْدِيَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِقَوْمٍ نَزَلَ عِنْدَهُمْ «هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنٍّ، وَإِلَّا كَرَعْنَا» وَلِهَذَا إذَا كَرَعَ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْكَرْعِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْحَقِيقَةِ مُسْتَعْمَلَةً بَلْ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ بِعُمُومِ الْمَجَازِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ بِالشُّرْبِ بِالْإِنَاءِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ كَذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى عُمُومِ الْمَجَازِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ أَوْ هِجْرَانِهَا، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهَا مُسْتَعْمَلَةً فَلَا مَصِيرَ إلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute