للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْتِ مَاشِيًا فَيَلْزَمُهُ مَاشِيًا، وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ (وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْتِزَامَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ (وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ) وَلَوْ قَالَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. لَهُمَا أَنَّ الْحَرَمَ شَامِلٌ عَلَى الْبَيْتِ، وَكَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ، بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ. وَلَهُ أَنَّ الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا

رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَجَابَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً وَهَذَا مُطَابِقٌ. وَقَدْ رَوَى شَيْخِي فِي شَرْحِهِ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ أَنْ تُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ».

وَأَمَّا الْعُرْفُ فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا إيجَابَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ زِيَارَةُ الْبَيْتِ مَاشِيًا فَيَلْزَمُهُ مَاشِيًا، وَإِنْ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنَاسِكِ. وَإِيجَابُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِهَذَا النَّذْرِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ، وَلِهَذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ اسْتِعَارَةً لِالْتِزَامِ الْحَجِّ كَانَ اللَّفْظُ غَيْرَ مَنْظُورٍ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَضْرِبَ بِثَوْبِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَشْيُ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ هُنَاكَ ضَرْبُ الْحَطِيمِ بِثَوْبِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إهْدَاءُ الثَّوْبِ إلَى مَكَّةَ لِكَوْنِ اللَّفْظِ عِبَارَةً عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْحَجِّ مَاشِيًا فَضِيلَةً لَيْسَتْ لَهُ رَاكِبًا، قَالَ «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ: وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: وَاحِدَةٌ بِسَبْعِمِائَةٍ» فَاعْتُبِرَ لَفْظُهُ لِإِيجَابِ الْمَشْيِ لِإِحْرَازِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ، وَمَعْنَاهُ فِي إيجَابِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَعَارَفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.

وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْعُرْفِ تُسْتَعْمَلُ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مَاشِيًا لَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُرَادَةٌ بِلَفْظِهِ وَمَجَازُهُ بِمَعْنَاهُ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَفِيمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ أَوْ السَّعْيُ أَوْ السَّفَرُ أَوْ الرُّكُوبُ أَوْ الْإِتْيَانُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْأَثَرِ وَالْعُرْفِ فِيهِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى الْقِيَاسِ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَفِيمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَزِمَهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ لِأَنَّ الْحَرَمَ شَامِلٌ لِلْبَيْتِ (وَكَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَصَارَ ذِكْرُهُ كَذِكْرِهِ، بِخِلَافِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ. وَلَهُ أَنَّ الْتِزَامَ الْإِحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ) حَتَّى يَصِيرَ مَجَازًا (وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا)

<<  <  ج: ص:  >  >>