للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَنَا حَدِيثُ «مَاعِزٍ فَإِنَّهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ زَنَيْت فَطَهِّرْنِي، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ إلَى الْجَانِبِ الثَّالِثِ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ إلَى الْجَانِبِ الرَّابِعِ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ قَالَ النَّبِيُّ : الْآنَ أَقْرَرْت أَرْبَعًا فَبِمَنْ زَنَيْت قَالَ بِفُلَانَةَ، قَالَ لَعَلَّك قَبَّلْتهَا لَعَلَّك بَاشَرْتهَا، فَأَبَى إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِصَرِيحِ الزِّنَا، فَقَالَ أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ وَفِي رِوَايَةٍ بَعَثَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: لَا، فَسَأَلَ عَنْ إحْصَانِهِ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ» وَعَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ مَاعِزًا لَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقِرَّ لَمْ يَرْجُمْهُ رَسُولُ اللَّهِ . فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ مُتَعَارَفًا فِيمَا بَيْنَهُمْ.

وَوَجْهُ الِاسْتِلَالِ بِحَدِيثِ مَاعِزٍ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَخَّرَ الْإِقَامَةَ. وَبَيَانُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَخَّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ إلَى أَنْ تَمَّ الْإِقْرَارُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَافِيًا لَمْ يُؤَخِّرْ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ عِنْدَ ظُهُورِهِ وَاجِبَةٌ، وَتَأْخِيرُ الْوَاجِبِ لَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ اعْتَرَفَ بِوَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيَجِبُ الْمَهْرُ، وَإِذَا وَجَبَ الْمَهْرُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ مِنْ بَعْدُ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَالْحَدَّ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي وَطْءٍ وَاحِدٍ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَمَّا اُعْتُبِرَ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ الزِّنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ وُجُوبُ الْمَهْرِ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ تَمَّتْ الْحُجَّةُ وَجَبَ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ وَجَبَ الْمَهْرُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَعْرَضَ النَّبِيُّ لِأَنَّهُ اسْتَرَابَ فِي عَقْلِهِ فَقَدْ جَاءَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَصَرَّ عَلَى الْإِقْرَارِ وَدَامَ عَلَى نَهْجِ الْعُقَلَاءِ قَبِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَزَالَ الشُّبْهَةَ بِالسُّؤَالِ فَقَالَ أَبِكَ خَبَلٌ أَبِكَ جُنُونٌ. أُجِيبَ أَمَّا تَغَيُّرُ الْحَالِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ التَّوْبَةِ وَالْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا دَلِيلُ الْجُنُونِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ أَبِكَ جُنُونٌ تَلْقِينًا لِمَا يَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ كَمَا قَالَ لَعَلَّك قَبَّلْت وَطِئْتهَا لِيَرْجِعَ عَنْ الزِّنَا إلَى الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ، وَكَمَا قَالَ لِلسَّارِقِ أَسَرَقْت مَا أَخَالُهُ سَرَقَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِمَاعِزٍ لَمَّا أَقَرَّ ثَلَاثًا إنْ أَقْرَرْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك، فَثَبَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>