فَالْمُؤَدِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَاضٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ.
قَالَ ﵁: وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
الْجُزْءُ الَّذِي يَلِي الْأَدَاءَ هُوَ السَّبَبَ أَوْ الْجُزْءُ الْمُضَيَّقُ أَوْ كُلُّ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يَقَعْ الْأَدَاءُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْكُلِّ إلَى الْجُزْءِ كَانَ لِضَرُورَةِ وُقُوعِ الْأَدَاءِ خَارِجَ الْوَقْتِ عَلَى تَقْدِيرِ سَبَبِيَّةِ الْكُلِّ وَقَدْ زَالَتْ فَيَعُودُ كُلُّ الْوَقْتِ سَبَبًا، ثُمَّ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ سَبَبًا تُعْتَبَرُ صِفَتُهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا بِأَلَّا يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالْكَرَاهَةِ وَلَا مَنْسُوبًا إلَى الشَّيْطَانِ كَالظُّهْرِ وَجَبَ الْمُسَبَّبُ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا: أَيْ نَاقِصًا بِأَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى الشَّيْطَانِ كَالْعَصْرِ يُسْتَأْنَفُ وَقْتَ الِاحْمِرَارِ وَجَبَ الْفَرْضُ فِيهِ نَاقِصًا فَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَدَّى نَاقِصًا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ بِأَسْبَابٍ كَامِلَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُقْضَى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إمَّا أَوَّلُ جُزْءٍ أَوْ الَّذِي يَلِي الْأَدَاءَ، أَوْ الْجُزْءُ الْمُضَيَّقُ، أَوْ كُلُّ الْوَقْتِ عِنْدَ خُرُوجِهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (فَالْمُؤَدِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَاضٍ) فَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي إنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاضٍ بَلْ مُؤَدٍّ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْوَقْتِ، وَأَيْضًا يَلْزَمُهُ عَلَى تَقْرِيرِهِ جَوَازُ قَضَاءِ الْعَصْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْقَائِمَ مِنْ الْوَقْتِ نَاقِصٌ فَيَجِبُ بِهِ الْعَصْرُ نَاقِصًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَعَصْرِ يَوْمِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ كَلَامَهُ فِيمَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى الْغُرُوبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُزْءِ الْمُضَيَّقِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْجُزْءَ إذَا تَعَيَّنَ لِلسَّبَبِيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ التَّأْخِيرُ عَنْهُ تَفْوِيتًا لِلْوَاجِبِ بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ كَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ فِي الصَّوْمِ، هَكَذَا أَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ الْعَزِيزُ ﵀. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْفَوَاتَ بِالتَّفْوِيتِ عَنْ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّوْمِ كُلُّ النَّهَارِ فَإِذَا فَاتَ الْبَعْضُ فَاتَ الْكُلُّ.
وَأَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ: إنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْوَاجِبِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْوَقْتِ شَرْطًا وَإِلَّا لَكَانَ فِي الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ تَقْدِيمُ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَتَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ إذْ لَوْ كَانَ الْجُزْءُ الْمَاضِي كَانَ الْمُصَلِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ قَاضِيًا لِفَوَاتِ شَرْطِ الْأَدَاءِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ يَتَنَاوَلُ الْعَصْرَ الْفَائِتَةَ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ الْفَائِتَةَ غَيْرُ عَصْرِ يَوْمِهِ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ قَالَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً، وَكُلُّ مَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ وُجُوبِهَا كَامِلَةً وَوَجْهَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ (وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute