لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصُّورَةِ وَالْمَرْأَةِ
(وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) مَعْنَاهُ: أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَى فِي زَاوِيَةٍ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالِانْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ، أَوْ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَيَحْسِبُهُ مَنْ فِي الْمُقَدَّمِ فِي الْمُقَدَّمِ وَمَنْ فِي الْمُؤَخَّرِ فِي الْمُؤَخَّرِ فَيَشْهَدُ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ
يَعْنِي أَنَّهُ يَقُولُ يُحَدُّونَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ لِنُقْصَانِ الْعَدَدِ فَصَارَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا، كَثَلَاثَةٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ. وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لِشُبْهَةِ الِاتِّحَادِ) يُرِيدُ شُبْهَةَ اتِّحَادِ الْمَشْهُودِ بِهِ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ فِي الْحُدُودِ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ وُجِدَتْ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا وَلَهُمْ أَهْلِيَّةٌ كَامِلَةٌ وَعَدَدٌ كَامِلٌ عَلَى زِنَا وَاحِدٍ صُورَةً فِي زَعْمِهِمْ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ صُورَةِ النِّسْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهُمْ وَاتِّحَادِ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ بِذِكْرِ الْمَكَانِ فَيَثْبُتُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَدْرَأُ الْحَدَّ. قِيلَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ لَمْ تُحَدَّ الشُّهُودُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ حُدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) ظَاهِرٌ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ احْتِيَالٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْحُدُودُ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا لَا لِإِثْبَاتِهَا، لِأَنَّ هَذَا احْتِيَالٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ حُجَّةٌ يَجِبُ تَصْحِيحُهَا مَا أَمْكَنَ، ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ قَبُولِهَا وُجُوبُ الْحَدِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَمَا بَالُكُمْ لَمْ تُصَحِّحُوا الشَّهَادَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ وَالطَّوَاعِيَةُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ عَنْ إكْرَاهٍ وَانْتِهَاؤُهُ عَنْ طَوْعٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ وَالطَّوَاعِيَةِ لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إكْرَاهًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ إكْرَاهًا وَآخِرُهُ طَوْعًا لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُسْقِطٌ لِلْحَدِّ عَنْ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُ الزِّنَا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ إكْرَاهًا أَوْ أَوَّلُهُ إكْرَاهًا وَآخِرُهُ طَوْعًا، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِي شَهَادَتِهِمْ اخْتِلَافُ الْمَشْهُودِ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute