للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ شَهِدُوا بِإِحْصَانِهِ. وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً عَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ، فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدُوا بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَخْبَرُوا، وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ وَظَهَرُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً، وَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ

خِصَالًا حَمِيدَةً فِي الشَّاهِدِ، فَكَمَا لَا ضَمَانَ عَلَى أُولَئِكَ كَذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَى هَؤُلَاءِ. وَقَوْلُهُ (وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) يَعْنِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً) فِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كَلَامَ كُلٍّ مِنْهُمْ يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ، فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَضَاءَ لَمَّا ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ يَتَّصِلْ الْقَضَاءُ بِكَلَامِهِمْ فَلَمْ يَصِرْ شَهَادَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا تَحُدُّ الشُّهُودَ؟ قُلْت: لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي الْكِتَابِ. لَا يُقَالُ: لِمَ لَمْ يُجْعَلْ قَذْفًا لِلْمَيِّتِ لِلْحَالِ بِطَرِيقِ الِانْقِلَابِ كَمَا فِي صُورَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: عِلَّةُ الِانْقِلَابِ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَكُونُ ظُهُورُهُمْ عَبِيدًا أَوْ مَجُوسًا عِلَّةً لِلِانْقِلَابِ كَالرُّجُوعِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>