(وَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ أَوْ سَكْرَانُ فَذَهَبُوا بِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ حُدَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ كَبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالشَّاهِدُ لَا يُتَّهَمُ فِي مِثْلِهِ.
(وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ)
قِيَامُ الرَّائِحَةِ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْبَاقُونَ، وَأَيْضًا كَلَامُ ابْنِ مَسْعُودٍ شَرْطِيَّةٌ وَالشَّرْطِيَّةُ تُفِيدُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا غَيْرُ. وَجَوَابُ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ بَلْ مِنْ انْتِفَاءِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَدْفُوعٌ بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا، وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقَالَ هَاهُنَا إنَّهُ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ، وَأَيْضًا اشْتِرَاطُ الرَّائِحَةِ مُنَافٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ ﵊ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ»
وَقَوْلُهُ (وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ) ظَاهِرٌ.
قَالَ (وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ) النَّبِيذُ يَقَعُ عَلَى نَبِيذِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَمَا يُتَّخَذُ مِنْ الزَّبِيبِ شَيْئَانِ: نَقِيعٌ وَنَبِيذٌ. فَالنَّقِيعُ أَنْ يُنْقَعَ الزَّبِيبُ فِي الْمَاءِ وَيُتْرَكَ أَيَّامًا حَتَّى تَخْرُجَ حَلَاوَتُهُ إلَى الْمَاءِ ثُمَّ يُطْبَخَ أَدْنَى طَبْخٍ، فَمَا دَامَ حُلْوًا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَإِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ يَحْرُمُ. وَأَمَّا النَّبِيذُ فَهُوَ الَّذِي مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ يَحِلُّ شُرْبُهُ مَا دَامَ حُلْوًا فَإِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَحِلُّ شُرْبُهُ مَا دُونَ السُّكْرِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ. وَمَا يُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ ثَلَاثَةٌ: السُّكْرُ وَالْفَضِيخُ وَالنَّبِيذُ. فَالنَّبِيذُ هُوَ مَاءُ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ يَحِلُّ شُرْبُهُ فِي قَوْلِهِمْ مَا دَامَ حُلْوًا، وَإِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَالتَّقَوِّي إلَّا الْقَدَحَ الْمُسْكِرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَحِلُّ. وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ فِي الْأَشْرِبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute