وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ، فَقَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ مَا دُونَ النِّصَابِ وَلِأَنَّ الْحِرْزَ فِيهَا نَاقِصٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْخَشَبَ يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الدَّارِ لِلْعِمَارَةِ لَا لِلْإِحْرَازِ وَالطَّيْرُ يَطِيرُ وَالصَّيْدُ يَفِرُّ وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ تُورِثُ الشُّبْهَةَ، وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا. وَيَدْخُلُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحُ وَالطَّرِيُّ، وَفِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْبَطُّ وَالْحَمَامُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ ﵊ «لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ»
وَقَوْلُهُ (وَالطِّبَاعُ لَا تَضَنُّ بِهِ) أَيْ لَا تَبْخَلُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَجَاءَ بِالْكَسْرِ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (فَقَلَّمَا يُوجَدُ أَخْذُهُ عَلَى كُرْهٍ مِنْ الْمَالِكِ) أَيْ قَلِيلٌ وُجُودُ لُحُوقِ الْمَلَالَةِ بِالْمَالِكِ عِنْدَ أَخْذِ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ، بَلْ يَرْضَى بِالْأَخْذِ تَوَقِّيًا عَنْ لُحُوقِ سِمَةِ خَسَاسَةِ الْهِمَّةِ وَتَفَادِيًا عَنْ نِسْبَتِهِ إلَى دَنَاءَةِ الطَّبِيعَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْعِ الزَّوَاجِرِ. وَقَوْلُهُ (وَالطَّيْرُ يَطِيرُ وَالصَّيْدُ يَفِرُّ) يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَلَّتْ الرَّغْبَةُ فَلَا تُشْرَعُ الزَّوَاجِرُ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْخَشَبُ يُلْقَى عَلَى الْأَبْوَابِ.
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ) أَيْ فِيمَا يُوجَدُ جِنْسُهُ مُبَاحًا (وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ) أَيْ الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْأَبْوَابِ وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ كَمَا ذَكَرْنَا (تُورِثُ الشُّبْهَةَ) أَيْ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ إحْرَازِهِ (وَالْحَدُّ يَنْدَرِئُ بِهَا) وَفِي التَّعْبِيرِ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ ﷺ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْكَلَأِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ» وَقَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ وَالطَّيْرُ يَطِيرُ وَالصَّيْدُ يَفِرُّ وَالسَّمَكُ الْمَالِحُ هُوَ الْمُقَدَّدُ الَّذِي فِيهِ الْمِلْحُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute