(وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) لِأَنَّ السَّارِقَ يَتَأَوَّلُ فِي تَنَاوُلِهَا الْإِرَاقَةَ، وَلِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ فَتَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمَالِيَّةِ. قَالَ (وَلَا فِي الطُّنْبُورِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَازِفِ (وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَتَّى يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُصْحَفِ فَتُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهَا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْآخِذَ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَكْتُوبِ وَإِحْرَازُهُ لِأَجْلِهِ لَا لِلْجِلْدِ وَالْأَوْرَاقِ وَالْحِلْيَةِ وَإِنَّمَا هِيَ تَوَابِعُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّبَعِ، كَمَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَةُ الْآنِيَةِ تَرْبُو عَلَى النِّصَابِ.
وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) أَيْ الْمُسْكِرَةِ: قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الطَّرَبُ خِفَّةٌ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ لِشِدَّةِ حُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ، وَفَسَّرَ السُّكْرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ غَلَبَةُ سُرُورٍ فِي الْعَقْلِ فَالْتَقَيَا فِي مَعْنَى السُّرُورِ فَلِذَلِكَ اُسْتُعِيرَ الْإِطْرَابُ لِلْإِسْكَارِ. قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: لَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ وَهُوَ يُؤْذِنُ بِصِحَّةِ تَفْسِيرِ الْمُطْرِبَةِ بِالْمُسْكِرَةِ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِمَالٍ) أَيْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ (وَفِي مَالِيَّةِ بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ) يَعْنِي كَالْمُنَصَّفِ وَالْبَاذِقِ وَمَاءِ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ لِأَنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ مُتَقَوِّمَةٌ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْأَشْرِبَةَ بِكَوْنِهَا مُطْرِبَةً لِمَا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ، وَيُقْطَعُ فِي الْخَلِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ عَنْ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: لَا قَطْعَ فِي الْخَلِّ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَمْرًا مَرَّةً (وَلَا فِي الطُّنْبُورِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعَازِفِ) وَالْمَعَازِفُ آلَاتُ اللَّهْوِ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْوَاحِدُ عَزْفٌ رِوَايَةٌ عَنْ الْعَرَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ) ظَاهِرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute