للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا قُلْنَا.

(وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ)، وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَصِيرُ شَرِيكًا فِيهِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إلَّا بَيْعًا بِالتَّرَاضِي. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ أَوْ رَهْنًا بِحَقِّهِ. قُلْنَا: هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ مِنْهُ دَنَانِيرَ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ، وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ

وَقَوْلُهُ (لِمَا قُلْنَا) إشَارَةٌ إلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلسَّارِقِ فِيهِ حَقًّا وَلِمَا قُلْنَا إشَارَةٌ إلَيْهِ.

قَالَ (وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ (سَوَاءٌ) أَمَّا إذَا كَانَ حَالًّا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ لَيْسَ إلَّا لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ وُجُوبِ الدَّيْنِ فَثَابِتٌ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ أَيْضًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْأَخْذُ كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَخْذَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لِمَكَانِ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ شُبْهَةُ الْأَخْذِ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِلدَّرْءِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا سَرَقَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ) يُرِيدُ بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَإِنْ ظَفِرَ بِخِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ. وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ، وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ (قُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ) الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْخُذَ جِنْسَ حَقِّهِ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْوَصْفِ فِي الْحَقِيقَةِ. وَهَذَا عَيْنٌ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ فِيهِ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ خِلَافُ الْجِنْسِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فَلَا يُتْرَكُ الْقِيَاسُ (وَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ أَخَذَهُ قَضَاءً لِحَقِّهِ أَوْ رَهْنًا بِهِ (دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ) لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ شُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ التَّأْوِيلِ عِنْدَنَا. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ) قِيلَ: هُوَ الْأَصَحُّ (لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ) كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالشُّفْعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>