وَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ. قَالَ (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ وَقُطِعَ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ عَلَامَةُ التَّبَدُّلِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ،
أَنَّ الْقَطْعَ فَهُوَ دَلِيلٌ آخَرُ. وَتَقْرِيرُهُ تَكْرَارُ الْجِنَايَةِ مِنْهُ بِالْعَوْدِ إلَى سَرِقَةِ مَا قُطِعَ فِيهِ نَادِرٌ جِدًّا لِتَحَمُّلِهِ مَشَقَّةَ الزَّاجِرِ، وَالنَّادِرُ يَعْرَى عَنْ مَقْصُودِ الْإِقَامَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا (وَصَارَ كَمَا إذَا قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ) بِالزِّنَا الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ نَظَرًا إلَى عَرَائِهِ عَنْ مَقْصُودِ الْإِقَامَةِ. فَإِنْ قِيلَ: نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا حَدُّ الزِّنَا فِي كَوْنِ الْحَدِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، حَتَّى أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ مَرَّةً أُخْرَى يُحَدُّ ثَانِيًا، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِ الْخَصْمِ، وَخُصُومَةُ الْمَقْذُوفِ فِي الْحَدِّ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى. أُجِيبَ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا حَدٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ إلَّا بِتَكْرَارِ الْخُصُومَةِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَصُورَةِ الزِّنَا أَنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَوْفَى، وَالْمُسْتَوْفَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ الْمُسْتَوْفَى فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَلَاشَى وَاضْمَحَلَّ. وَالْمَسْرُوقُ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَسْرُوقُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا) ظَاهِرٌ، وَالْقَطْعِ بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ اتِّحَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute