وَلِأَنَّ الْجِنَايَاتِ تَتَفَاوَتُ عَلَى الْأَحْوَالِ فَاللَّائِقُ تَغَلُّظُ الْحُكْمِ بِتَغَلُّظِهَا. أَمَّا الْحَبْسُ فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ بِدَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ أَهْلِهَا، وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرَ الْإِخَافَةِ. وَشَرْطُ الْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَنَعَةِ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا بَيَّنَّاهَا لِمَا تَلَوْنَاهُ. وَشَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِتَكُونَ الْعِصْمَةُ مُؤَبَّدَةً، وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ. وَشَرْطُ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ كَيْ لَا يُسْتَبَاحَ طَرَفُهُ إلَّا بِتَنَاوُلِهِ مَالَهُ خَطَرٌ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ. وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ كَمَا بَيَّنَّاهَا لِمَا تَلَوْنَاهُ (وَيُقْتَلُونَ حَدًّا، حَتَّى لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْهُمْ لَا يُلْتَفَت إلَى عَفْوِهِمْ)
وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْجِنَايَاتِ تَتَفَاوَتُ عَلَى الْأَحْوَالِ) أَيْ عَلَى حَسَبِ الْأَحْوَالِ الْوَاقِعَةِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (فَاللَّائِقُ تَغَلُّظُ الْحُكْمِ) أَيْ الْجَزَاءِ (بِتَغَلُّظِ الْجِنَايَةِ) بِتَفَاوُتِ الْأَحْوَالِ لَا التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مُقَابَلَةَ الْجِنَايَةِ الْغَلِيظَةِ بِجَزَاءٍ خَفِيفٍ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَحْثِ قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ) يَعْنِي عِنْدَنَا، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَبُ لِيَهْرُبُوا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ، وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْحَبْسِ مَشْرُوعَةٌ وَالْأَخْذُ بِمَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِمَا لَا نَظِيرَ لَهُ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ كَمَالِ النِّصَابِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْعَشَرَةِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِأَخْذِهَا عُضْوًا وَاحِدًا وَهَا هُنَا الْمُسْتَحَقُّ عُضْوَانِ، وَلَا يُقْطَعُ عُضْوَانِ فِي السَّرِقَةِ إلَّا فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَقُلْنَا: يُغَلَّظُ الْحَدُّ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ تَغَلُّظِ فِعْلِهِمْ بِاعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute